التحديات الإقليمية والسيادة الدفاعية تدفع إلى زيادة النفقات العسكرية بالمغرب

أحد, 10/20/2024 - 20:43

خصص مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي قدمته نادية فتاح علوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أمس السبت، خلال جلسة عمومية مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، أكثر من 133 مليار درهم لاقتناء وإصلاح معدات الجيش المغربي ودعم تطوير الصناعة الدفاعية، مقارنة بأكثر من 119 مليار درهم سنة 2023 و124 مليار درهم في سنة 2024.

وأكد خبراء في الشأن العسكري والاستراتيجي أن رفع المملكة المغربية لإنفاقها العسكري يأتي في سياق سعي القيادة في الرباط إلى ضمان أمنها القومي من جهة عبر تطوير وتحديث منظومتها الدفاعية والهجومية تماشيا مع التطورات التي يشهدها العالم في هذا المجال، ومواكبة مشروع توطين الصناعة العسكرية من جهة أخرى.

واعتبر الخبراء أن طبيعة التحديات التي تشهدها المنطقة والسباق نحو التسلح الذي تفرضه الجزائر التي رفعت هي الأخرى ميزانيتها الدفاعية في مشروع قانون المالية لسنة 2025 لأكثر من 25 مليار دولار أمريكي يفرضان على المملكة رفع الموارد المخصصة للتسلح لتعزيز قدرات الردع.

تحديث الجيش وتوطين الصناعة

عبد الرحمان مكاوي، خبير عسكري واستراتيجي، أكد أن “رفع ميزانية الدفاع يهدف أولا إلى تأهيل وتطوير وتحديث الترسانة العسكرية المغربية من خلال اقتناء أسلحة نوعية جد متطورة وتغيير العتاد المتآكل والذي تأثر بسبب التضاريس والطقس خاصة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، تماشيا مع حاجيات ضمان الأمن القومي المغربي”.

وأضاف مكاوي أن “الجوار الإقليمي للمغرب غير مستقر ويشهد تحولات ومخاطر وتهديدات متسارعة تفرض هذا الأمر، كما تفرض توفر الجيش المغربي على أحدث صيحات الأسلحة”، مشددا على أن “رفع ميزانية التسلح يجد له أيضا تفسيرا في ضرورة مواكبة مشروع توطين الصناعة الحربية الذي أطلقه المغرب والذي يتطلب استثمارات ضخمة، حيث إن المملكة نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في ما يتعلق الذخيرة والأسلحة الخفيفة وبعض المقذوفات والمدافع وقطع الغيار وتتطلع إلى المزيد على هذا النحو”.

وأوضح المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “المغرب يراهن على تأهيل قواتها المسلحة وجعلها في مستوى الجيوش الأوروبية، خاصة أن الرباط أصبحت اليوم شريكا عسكريا وأمنيا استراتيجيا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي”.

وبيّن أن “السباق الجنوني الذي تفرضه الجزائر على المغرب، إذ رفعت الجزائر ميزانية دفاعها برسم سنة 2025 إلى أكثر من 25 مليار دولار أمريكي؛ وهذا يفرض على المملكة بدورها أن تنخرط في هذه الموجة ولو على حساب التنمية في كلا البلدين، وسط الرهانات والتحديات الإقليمية والجيو-استراتيجية الكبيرة التي تشهدها المنطقة”، مشددا على أن “التكوينات التي يتلقاها ضباط الجيش المغرب في الخارج، خاصة في تخصصات أسلحة الجيل الخامس، لها هي الأخرى كلفة مادية عالية”.

وحول طبيعة العتاد الحربي المتوقع أن يقتنيه المغرب، أبرز الخبير العسكري ذاته إلى أن “المملكة ستكون مهتمة باقتناء طائرات مقاتلة متطورة وغواصات وفرقاطات متعددة المهام؛ إضافة إلى المسيرات البحرية، حيث يراهن المغرب على تطوير سلاح الجوية والبحرية”، لافتا إلى أن “المجال البحري أصبح عمقا استراتيجيا بالنسبة للمملكة؛ وهو ما يفرض وجود أسلحة لحماية سواحلها وأمنها القومي”.

تعزيز الردع وحماية المصالح

أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، أن “أحد الأهداف الرئيسية لرفع ميزانية الدفاع في المغرب هو تعزيز قوة الردع العسكري وتحديث القدرات القتالية للقوات المسلحة الملكية. ويأتي هذا التوجه في ظل بيئة أمنية متقلبة إقليميا ودوليا، حيث تسعى الرباط إلى الحفاظ على التفوق الاستراتيجي في المنطقة ومواجهة التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية”.

وأوضح معتضد أن “الزيادة الملحوظة في ميزانية الدفاع تأتي في سياق استراتيجي طموح يهدف إلى تقليل الاعتماد على الواردات العسكرية وتعزيز السيادة الدفاعية عبر إنشاء صناعات دفاعية محلية؛ من خلال إحداث “مناطق التسريع الصناعي للدفاع”، كما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2025؛ وهو ما يعكس الرغبة في تطوير قدرات التصنيع العسكري داخل المغرب وتلبية الاحتياجات الدفاعية داخليا”.

وتابع بأن “تحليل السياق الإقليمي يشير إلى أن المغرب يواجه تهديدات متزايدة من جهة الحدود الشرقية، وتصاعد النفوذ غير المستقر لبعض الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك الجزائر وحلفائها، فضلا عن التهديدات الإرهابية الناشئة في منطقة الساحل. وعليه، فإن رفع ميزانية الدفاع يعكس استجابة استراتيجية لهذه التهديدات الإقليمية المتصاعدة، ويعزز القدرة على حماية المصالح الوطنية وتعزيز الاستقرار الإقليمي”.

وفي ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة في مجال الدفاع والعتاد العسكري، أكد الباحث ذاته أن “القوات المسلحة الملكية تسعى إلى ضمان تحديث ترسانتها الدفاعية بما يتماشى مع أحدث التطورات. ومن المتوقع أن يتم توجيه جزء من الميزانية نحو اقتناء نظم تكنولوجية متقدمة، بما في ذلك الطائرات المسيرة، والأنظمة الدفاعية الإلكترونية؛ وهو ما يعزز من قدرات المغرب في حماية مجاله الجوي والبري والبحري”.

وشدد المصرح لهسبريس على أن رفع ميزانية الدفاع يأتي أيضا في “إطار العلاقات الاستراتيجية التي تربط المغرب بالعديد من القوى الدولية؛ مثل الولايات المتحدة وفرنسا”، مبرزا أن “الاستثمار في تطوير الجيش المغربي يعزز من قدرات المملكة على العمل بفعالية مع حلفائها الدوليين، سواء في سياق التعاون الثنائي أو في إطار المنظمات الدولية مثل الناتو. كما أن هذه الزيادة تسهم في تعزيز موقع المغرب كشريك استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة”.

وزاد هشام معتضد شارحا: “من الناحية الداخلية، يُعد رفع ميزانية الدفاع جزءا من استراتيجية أوسع للحفاظ على الاستقرار الداخلي من خلال التركيز على تحسين أوضاع الجيش وتطوير بنيته التحتية”، لافتا إلى أن “المغرب يسعى إلى تعزيز الشعور بالأمن الوطني والثقة في قدرة الدولة على حماية المواطنين؛ وهذا يساهم في تقوية الجبهة الداخلية، ويدعم التماسك الوطني في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية”.

وخلص الباحث في الشؤون الاستراتيجية إلى أن “الزيادة في الأجور والمزايا المالية لأفراد القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة والوقاية المدنية تشير أيضا إلى اهتمام القيادة بتعزيز الروح المعنوية وتحسين الأوضاع الاجتماعية للقوات”، لافتا إلى أن “هذا القرار يأتي في سياق رؤية متكاملة لتعزيز كفاءة العناصر العسكرية والرفع من أدائها الوظيفي؛ ذلك أن الاستثمار في العنصر البشري يُعدّ جزءا أساسيا من الاستراتيجية العامة لتقوية البنية العسكرية للقيادة في الرباط”.

 

هيسبريس