مراسلون- شهدت قاعة الأنشطة الثقافية في «بيت الشعر في نواكشوط» مساء أمس الأول واحدة من أكثر الندوات التي نظمها البيت حتى الآن إثارة للجدل، وتناولت الندوة التي جاءت تحت عنوان «ثقافتنا: إشكالات الواقع والمستقبل»، بشكل أساسي ملف الهوية وإشكالاتها في موريتانيا من خلال ثنائيتي التعريب والأدب.
ورحب الدكتور عبد الله ولد السيد، مدير بيت الشعر في نواكشوط بالحضور، وقدم باسم بيت الشعر وباسم الشعراء الموريتانيين التهنئة لدولة الإمارات العربية المتحدة حكاماً وشعباً بمناسبة اليوم الوطني الرابع والأربعين للإمارات.
وقال ولد السيد مخاطباً الحضور «إن هذه مناسبة نتقدم فيها بتهنئة خاصة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة»، منوهاً بالدور الذي يقوم به سموه في خدمة وترقية الثقافة العربية.
وأكد ولد السيد أن بيوت الشعر في الوطن العربي مبادرة فريدة من نوعها انطلقت من الشارقة لخدمة اللغة العربية والإبداع العربي، وجدد التأكيد على أن بيت الشعر في نواكشوط هو بيت لكل الشعراء الموريتانيين دون استثناء.
وتحدث الدكتور محمدو ولد محمد المختار عن مركزية دور الثقافة في حياة الأمم والدول من خلال حفاظها وترقيتها للهوية، وقدم في هذا الإطار تعريف الهوية عبر قراءات ورؤى عدة لهذا المفهوم.
وتطرق ولد محمد المختار إلى الإشكالية الكبيرة المطروحة في مجال الهوية الموريتانية، وذلك من خلال تحديين أساسيين: الأول: نجاح الطغمة الفرانكفونية في موريتانيا في إبقاء القرار الدستوري بترسيم اللغة العربية (التعريب الشامل) بمثابة «قرار ميت»، إذ ما تزال اللغة الفرنسية هي لغة العمل والإدارة، موضحاً في هذا الإطار تذبذب القرار الوطني إبان مراحل فرض التعريب أو التراجع عنه. وذكر بمفارقة ادعاء الفرانكوفونيين تضرر حملة الشهادات الفرنسية من قرار التعريب، وقال إن تسويق هذا الادعاء يفنده وجود 35 ألف حامل شهادة عاطل عن العمل مقابل 2500 فقط من حملة الشهادات الفرنسية.
وأما التحدي الثاني، فهو المتمظهر في تعدد الصراع داخل البلاد والذي يثير سؤالاً عن «الهويات» الموريتانية، على ضوء العامل العرقي والشرائحي والاجتماعي، بل حتى في ما أسماه ب«تيارات خوصصة الدين»، وقد تطرق ولد محمد المختار في عرضه إلى العديد من العناوين المرتبطة بمفهوم الهوية الوطنية ومشكلاتها في موريتانيا.
وتحدث الدكتور والناقد الأدبي الشيخ ولد سيدي عبد الله عن المفهوم الموريتاني للثقافة، الذي يطلق لدى الشارع على «الأدب»، واستعرض بالتواريخ والأسماء والنصوص كيف أن «الثقافة الموريتانية» هي سليلة رافد واحد هو «المحظرة» (المدرسة الدينية)، التي ظلت طوال القرون والعقود الماضية هي الوصي على الأدب الموريتاني. ولكن من المهم في هذا الإطار ما كشفه ولد سيدي عبد الله، الذي استعرض جزءاً من بحث أدبي له يصحح ما اعتبر أنه مفهوم خاطئ عند النخبة والجمهور في موريتانيا على حد سواء، وهو أن للثقافة الموريتانية «رافد ثالث» هو «الرافد السوداني»، والذي يجب أن يضاف للرافدين: المشرقي والمغربي.
ولم تخل فقرات الندوة من لحظات طريفة، إذ عندما وصل الناقد الشيخ ولد سيدي عبد الله إلى التذكير بالفترة التي تم فيها حظر الغزل على شعراء البلاد من قبل علماء الدين في القرن السابع عشر الميلادي وتم تعزير شاعر قال بيتين في الغزل، قال أحد الشعراء الحضور «لو كنت في تلك الفترة لقطع رأسي»، كما أثار الكشف عن قصة «ديوان المجاهيل» الاهتمام، نظراً لكون ذلك الديوان يوضح مدى حرص الموريتانيين على اللغة.