المركز الثقافي المغربي بنواكشوط يحتضن محاضرة تحت عنوان:" الدرس الفلسفي"

أربعاء, 11/25/2015 - 23:59

احتضن المركز الثقافي المغربي مساء اليوم الأربعاء محاضرة ألقاها د. بلال ولد حمزة.

وقد استهل هذا النشاط بكلمة لمدير المركز الثقافي المغربي الأستاذ: محمد القادري، هذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

 

حضرات السيدات والسادة الكرام،

في مستهل هذه الأمسية الطيبة، اسمحوا لي أن أتوجه إليكم جميعا بخالص عبارات الشكر والتقدير والامتنان على تفضلكم بتلبية الدعوة لمشاطرتنا أطوار هذه المحاضرة التي نرمي من خلالها وبمعيتكم إلى تجاذب أطراف النقاش حول موضوع فكري بامتياز سيقدمه أحد كبار رجالات الثقافة والفكر والتربية في هذا البلد العزيز.

وأغتنم هذه المناسبة للترحيب بالدكتور بلال ولد حمزة، الأستاذ بالمدرسة العليا للتعليم وبجامعة نواكشوط والأمين العام لجائزة شنقيط للآداب والعلوم، شاكرا له تكرمه بالموافقة على إلقاء هذا الدرس العلمي الذي سيتناول فيه موضوعا يكتسي أهمية قصوى في وقتنا الحاضر.

لقد أحسن الدكتور بلال ولد حمزة في تلخيص محاضرته بحيث بين فيها بشكل جلي صلب المشكل الذي يطرحه موضوع الدرس الفلسفي، إذ قسمه إلى مرحلتين هما المرحلة الأولى المتمثلة في الإقبال الكبير الذي حظي به هذا الدرس في جامعات بلدان المغرب العربي خلال العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين، ببروز فلاسفة كبار ساهموا في تطوير الحركة الفكرية العربية والعالمية مثل محمد عزيز الحبابي ومحمد عابد الجابري ورجب بودبوس، نضيف إليهم آخرين مثل طه عبد الرحمن وحسن حنفي وغيرهم، وبعد ذلك المرحلة الثانية المتجلية في انحسار الدرس الفلسفي التي نشهدها اليوم في قاعات الجامعات.

وهنا يسوق الدكتور بلال ولد حمزة جملة من التساؤلات الأساسية حول أسباب هذا التحول بقوله: هل يعود ذلك إلى أن الفلسفة لم تعد جزءا من سلسلة التكوين العلمي التي يفرضها سوق العمل؟  أم أن ما تقدمه العولمة من منتوج معرفي جاهز يعطل القدرات الفكرية للمتلقي ويحيله إلى مستهلك مستسلم؟ وهل يمكننا أن نتساءل أخيرا حول ما إذا كان  غياب الدرس الفلسفي اليوم يعني بالضرورة غياب السؤال الفلسفي الذي يولد مع كل إنسان وهو : لماذا ؟ وكيف ؟ وبعبارة أخرى: هل بموت الفلسفة يموت التفلسف؟

لقد تمكن الأستاذ المحاضر من خلال هاتين الفقرتين أن يلخص باقتدار جملة التساؤلات التي يمكن أن نطرحها حول هذا الموضوع البالغ الأهمية.

 

 

وقد حفزني هذا الموضوع لكي أقرأ بعجالة بعض ما كتب حول هذا الموضوع الذي شكل مادة دسمة لحوارات ونقاشات واسعة ومستمرة بين الباحثين تتساءل عن السبب في انحسار الدرس الفلسفي بعد تألقه في الماضي القريب.

وحتى نتطرق في هذا المضمار، على سبيل المثال ، لبعض النماذج العربية، سأعرض النموذج المغربي من خلال وجهة نظر المفكر المغربي الدكتور كمال عبد اللطيف الذي قال في معرض حواره مع إحدى وسائل الإعلام، أن الدرس الفلسفي شهد في المغرب مرحلة تطور وإشعاع في الجامعة المغربية خلال فترة الستينات والسبعينات، لأن تعليم الفلسفة كان يعتبر آنذاك من المكاسب التاريخية والتربوية التي ينبغي تطويرها مع ابتكار الأساليب التي تسمح بحضور أقوى لدرس الفلسفة الذي يمثل درس الفكر العقلاني المنفتح على التاريخ والإنسان والمستقبل في مختلف التخصصات والمعاهد والمؤسسات والجامعات.

 

إلا أن الدرس الفلسفي شهد انحسارا منذ بداية الثمانينات، وتمت محاولة إغلاق هذه الشعبة وعدم إحداثها في الكليات الجديدة، مع فتح شعبة جديدة هي شعبة الدراسات الإسلامية، وبعد ذلك تقرر مؤخرا فتح شعبة الفلسفة في بعض الكليات.

 

 يتابع الدكتور كمال عبد اللطيف بقوله، هناك من المفكرين المغاربة من يرد هذه القطيعة مع الدرس الفلسفي إلى التوتر التاريخي العام في تاريخ فكرنا المعاصر، وهذا التوتر يرتبط بقضايا الصراع السياسي والعقائدي في مجتمعنا، والعودة اليوم إلى فتح أقسام وشعب الفلسفة بالجامعات المغربية يشكل أكبر دليل على إدراكنا للوظائف الموكولة للفكر الفلسفي في التاريخ.

 

 

إن تعزيز المشروع الديمقراطي في حياتنا السياسية على سبيل المثال يتطلب الاستفادة من مكاسب ومنجزات تاريخ الفلسفة وتاريخ الفلسفة السياسية، كما أن إنعاش الحوار العقلاني والتاريخي في فضاءات الفكر والعمل في مجتمعنا، يستدعي بدوره ترسيخ آليات وقواعد النظر الفلسفي وآليات وقواعد الفكر المنهجي كما بلورته وما فتئت تبلوره وتطوره مكاسب الدرس الفلسفي المعاصر، وكل نسيان أو إغفال لوظيفة الفكر الفلسفي في التاريخ سيساهم في تكريس الدوغمائيات والأفكار المطلقة والقطعية .

 

ونظرا لأننا نعاني في فكرنا المعاصر من أعباء التاريخ وأعباء العقائد كما استقرت وتحجرت في ثقافتنا وتقاليدنا وحياتنا العامة على وجه العموم، فإن الاستعانة بالفكر الفلسفي بمناهجه وبآلياته في النظر والتعقل والتحليل تتيح لنا بناء الوسائل والآليات النظرية المساعدة على تحطيم وتكسير قيود الموروث الكابحة لحرية الفكر والإبداع.

 

إن تجارب الغرب في تعاطيه الإيجابي مع تعليم الفلسفة تنم عن إدراك عميق بدور الفلسفة في تكوين الشخصية البشرية وفي تطوير قدراتها النظرية في مجال مجابهة أسئلتها بأساليب المقاربة المنهجية العقلانية. فأغلب المعاهد التقنية العليا في الجامعات الأوروبية لا تستغني عن استحضار الموضوعات والنصوص الفلسفية ذات الصلة بقضاياها، إضافة إلى القيمة الفكرية المضافة المتمثلة في البعد المنهجي للدرس الفلسفي، و أيضا في الروح النقدية التي تعتبر سمة ملازمة للنظرة الفلسفية في التاريخ وخاصة في الفلسفة الحديثة والمعاصرة.

 

ومجمل القول، أعتقد شخصيا أننا بتخلينا عن الفلسفة بما تخوله لنا من إمكانية طرح أسئلة كبرى وأساسية، فإننا نتخلى عن وظيفة أساسية موكولة للإنسان من طرف خالقه وهي الملاحظة والتأمل والتدبر والتفكر والاعتبار... وهي التي استطاع الإنسان من خلالها أن يتواصل مع خالقه ومع الكون الذي يعيش في كنفه، وهي أدوات سمحت للإنسان منذ فجر التاريخ أن يبدع ويتقدم؟

أشكركم مجددا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.