المركز الثقافي المغربي ينظم محاضرة حول القانون الدولي للتنمية/ الأستاذ شيخنا محمدي الفقيه( نص المحاضرة)

جمعة, 11/13/2015 - 09:18

 

المقدمة:

يرمي علم القانون إلى تنظيم علاقات المجتمع الإنساني، ووضع قواعد له عبر تحقيق كل المصالح المتعارضة لأعضاء المجتمعات البشرية؛ لذلك فالقانون يجب ـ وفي سياق استجابته لأرقى مستوى من متطلّبات أفراد المجتمع الإنساني ـ أن يحدّ من المصالح المتعارضة إلى أقل حدٍّ ممكن، وأن لا يعرّض حرّيات الأفراد للخطر الحقيقي.مع ذلك، ففي بعض الأحيان يكون تأمين حقوق وحريات فئة من المجتمع على حساب حريات وحقوق فئة أخرى، وفي مثل هذه الحالة تسعى كلّ فئة إلى وضع تنظيمات وقواعد تنسجم ومصالحها.

إن القانون الدولي يعاني من هذه المشكلة؛ فالاختلاف الطبيعي بين مقاصد الدول النامية وأهدافها وبرامجها من جهة، والدول المتقدمة صناعياً من جهة أخرى، والذي يصل في كثير من الأحيان إلى حدّ التعارض، جعل كلّ مجموعةٍ تسعى لإقرار قواعدها وتثبيت أعرافها الخاصّة بوصفها قواعد آمرة، بما لا يتفق مع المجموعات الأخرى، ويظهر هذا الأمر جلياً في المحافل الدولية على هيئة تكتلات دولية، كلّ واحدٍ منها له مؤسّساته ومنظماته الدولية الخاصة، ليرصد من خلالها نشاطات التكتل الآخر، ويصون مصالحه بشكل أفضل.

فعلى سبيل المثال، للدول المتقدمة صناعياً، اجتماعات منظمة تحت عنوان مجموعة الدول العشرين، و الدول الصناعية السبع...إلخ، فيما تجتمع الدول النامية ـ بدورها ـ في إطارحركة عدم الانحيا ز أو في إطار تكتلات إقليمة وقارية، وهذا الحال نجده أيضاً في منظمة الأمم المتحدة؛ فالدول النامية التي تشكّل الأكثرية في الجمعية العامة، تسعى ـ من خلال القرارات التي تصدرها ـ إلى الوقوف في وجه نشاطات الدول المتقدّمة التي تسيطر على مجلس الأمن، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى القرار رقم (1803) الذي أقرّته الجمعية العامة بتاريخ 14 ديسمبر 1962، والذي أكّدت فيه من جهة، مبدأ السيادة الوطنية على المصادر الطبيعية، فيما اعتبرت التأميم ـ من جهة أخرى ـ أحد مظاهر سيادة الدولة، وكذلك أصدرت الجمعية العامة في اجتماعها الطارئ سنة 1974م البيان رقم (3201)، ووضعت فيه أساس النظام الاقتصادي الدولي الجديد، لكن الدول المتقدّمة ترى أن مثل هذه القرارات عادية وليس لها ضمانة تنفيذية، فحتى القرار رقم (2749)، الذي أصدرته الجمعية العامة بكامل أعضائها، بتاريخ 17 يناير 1970م، اعتبرته الدول المتقدّمة مجرّد بيان سياسي يفتقد لأدنى حدّ من النتائج القانونية.

 

أولا:القانون الدولي للتنمية في إطار القانون الدولي

         بما أنّ القانون الدولي وضع على يد المفكّرين الأوروبيين، الذين لم ينظروا إلا إلى مصالح دولهم ومنافعها؛ لذلك فحصول الدول النامية على حقوقها من خلال هذا القانون ـ ذي الخصائص الأوروبية الشديدة ـ ليس من الميسّر بالضرورة؛ فمنذ أوائل الستينات، وبصدور القرار 1514، حول منح البلدان والشعوب المستعمرة الاستقلال، دخل القانون الدولي في مرحلة جديدة وحاسمة؛ حيث سعت الدول التي حصلت على استقلالها، إلى تغيير خصائص القانون الدولي التقليدي وإخراجه من كونه نادياً تحتكره الدول الأوروبية، وتبديله إلى هيئة عالمية ودولية حقيقية، لكنّه لم يكن من السهل الوصول إلى ذلك الهدف؛ لأن تاريخ وضع القواعد التي تحكم القانون الدولي كان من صلب التاريخ الأوروبي ووليد تفاعلاته.

 

والحقيقة، إن انتشار القانون الدولي واتساعه إلى سائر بلاد العالم كان مقارناً لاتساع سلطة الدول الاستعمارية، وبهذا؛ تمّ فرض ذلك القانون على سائر الدول.

لقد تجاهل علماء القانون الأوروبيون القدامى وجود حضارات غير أوروبية قديمة، مثل الحضارة الإسلامية والصينية والهندية، واعتبروا أنفسهم مؤسّسي الحضارة العالمية؛ لذلك خوّلوا أنفسهم صلاحية علمية لوضع قواعد القانون الدولي وإجرائها، ولأن القانون يجب أن يكون وليد نظام يحتاجه المجتمع، فقد أصبح تنفيذ هذه القواعد على الساحة العالمية ـ مع دخول ذلك الكمّ الكبير من الدول المستقلّة حديثاً ـ أمراً صعباً غير ميسور، وبتعبير آخر: أصبحت القواعد التقليدية للقانون الدولي الذي وضعه علماء القانون الأوروبيون عاجزةً عن الاستجابة للمتطلّبات المستجدّة بسبب صحوة الدول المستقلّة حديثاً، وصار من الضروري تحوّلها باتجاه تأمين المتطلّبات الجديدة للمجتمع الدولي؛ فالقواعد التي دخلت القانون الدولي بعد ذلك كانت بتأثير نسبي من دول العالم الثالث الغنية أو المستجيبة للتطوّرات الدولية.

وبأخذ العوامل السابقة بنظر الاعتبار، يتضح أنَّ القانون الدولي التقليدي كان تجلّياً للقانون الأوروبي، فيما كان القانون الدولي المعاصر انعكاساً للقانون العالمي، الذي استجاب لبعض مطالب الدول النامية.

والنتيجة التي نستخلصها مما سبق، أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تنسجم أكثر مع القانون الدولي المعاصر؛ فالقرارات الصادرة عن هذه الجمعية تعبّر عن آمال العالم الثالث، ونراها ـ في أكثر الحالات ـ تنفي العرف التقليدي الثابت، وتنبذ القوانين الناشئة عنه. من جهة أخرى، نجد أن القرارات السياسية لعلماء القانون في الدول الغربية الدائمة العضوية في مجلس الأمن ـ الصادرة عن الجمعية العامة ـ تفتقد الاستقرار، كما تفتقد العناصر اللازمة لعرف دولي.

هناك عدة تعريفات للقانون الدولي:

يقول التعريف التقليدي للقانون الدولي العام إنه:

مجموعة القواعد التي تحدد حقوق وواجبات الدولة في علاقاتها المتبادلة . ومن خلال هذا التعريف يتضح لنا بأن الدولة هي الشخص القانوني الوحيد المخاطب بأحكام القانون الدولي.
هناك تعريف ثان:

مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين أفراد الجماعات المختلفة. و نلاحظ أن مثل هذا التعريف يعتبر أن الفرد هو الشخص القانوني الوحيد ذلك باعتبار أن القانون في نهاية الأمر لا يخاطب إلا الأفراد أي الأشخاص القانونية والطبيعية.
أما التعريف الثالث وهو التعريف الحديث فيقول:

إن القانون الدولي هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك أعضاء المجتمع الدولي في إطار العلاقات الدولية.

 ومثل هذا التعريف يتسع ليشمل أشخاص قانونية أخرى مثل المنظمات الدولية.

وباعتبار القانون الدولي التنمية وثيق الصلة بالقانون الدولي الاقتصادي خاصة فإننا نقدم لهذا الأخير التعريف التالي:

مجموعة المبادئ والقواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية
الاقتصادية، والتي تحكم تنقلات الأشخاص واستثماراتهم والتجارة الدولية للأموال
والخدمات وتمويل هذه النشاطات. أي إن هذا القانون ينظم إقامة عناصر الإنتاج على
الأرض الوطنية من أشخاص وأموال آتية من الخارج، بما في ذلك المبادلات التي تتم بين
المجالات الاقتصادية الوطنية المختلفة، تحقيقاً لمبدأ تقوية التعاون الاقتصادي بين
الأمم والشعوب.

لقد ظهر القانون الدولي للتنمية –كما أسلفنا- بعد حصول جل بلدان الجنوب على الاستقلال أي في ستينات القرن العشرين وبالتزامن مع اتساع الهوة بين الدول الغنية في الشمال والدول الفقيرة في الجنوب، ومن الأسباب البارزة التي أدت إلى ظهور القانون الدولي للتنمية هو اختلاف التوازن في المجال الاقتصادي وعلى جميع المستويات بين دول الشمال ودول الجنوب ومن أجل التخفيف من حدة التوازن ارتأت منظمة الأمم المتحدة خاصة مع مطلع التسعينات من القرن الماضي الأخذ بيد بلدان العالم الثالث ومساعدتها للتعجيل بتنميتها ولهذا الغرض اعتمدت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة العديد من اللوائح والإعلانات كرست من خلالها حق هذه البلدان في التنمية وحقها في ممارسة سيادتها الدائمة على ثرواتها.

وقامت الأمم المتحدة في العام 1965 بإعداد برنامج للتنمية وأبرمت اتفاقية ياوندي بين الدول الأوروبية والدول النامية سنة 1969.وقد شكل إنشاء منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD أو CNUCED سنة 1964 والتي يوجد مقرها بجنيف في سويسرا اللبنة الأولى لهذا للقانون الدولي للتنمية بأمينها العام الأول الأرجنتيني راؤل بربيش الذي أسهم إسهاما متمزا في إثارة إشكاليات القانون الدولي للتنمية.

 وتسعى هذه المنظمة إلى تحقيق الأهداف التالية:

تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من زيادة فرص التجارة والتنمية المتاحة للبلدان النامية؛

مساعدة البلدان النامية على مواجهة التحديات الناشئة عن العولمة وعلى الاندماج في الاقتصاد العالمي على أساس أكثر إنصافا.

ثانيا: تعريف القانون الدولي للتنمية :

مع انتهاء عقد الستّينات، وصلت دول العالم الثالث إلى هذه النتيجة، وهي أنّ الاستقلال السياسي لم يقضِ على الفارق الاقتصادي بينها وبين الدول الصناعية الاستعمارية. وبتعبير آخر: رغم الاستقلال السياسي لم تستطع الدول النامية رفع الفوارق الاقتصادية بينها وبين الدول الصناعية الاستعمارية، بل إنّ الاستقلال السياسي لهذه البلدان جعلها ـ تدريجياً ـ تواجه مشكلة التخلّف وعدم التنمية بشكل أكبر.

وبهذا ظهرت الفكرة التالية: لا يمكن للاستقلال السياسي أن يحقّق التنمية الاقتصادية، دون تغيير في نظام القانون الدولي المتبقي من فترة الاستعمار؛ إذ يقوم على عدم التعاون واللاتكافؤ، بل على الهيمنة، فيما القانون الدولي المعاصر، لا يرى إمكانيةً للتنافس بين دول مستقلّة حديثاً ومثقلة بمخلّفات فترة الاستعمار مع الدول المتقدمة صناعياً، إلاّ بإعطاء بعض الامتيازات لتلك الدول المستقلّة حديثاً؛ ولهذا السبب جعل القانون الدولي المعاصر، التغييرَ في نظام قانون التجارة الدولية، في مقدّمة أعماله، وبهذا الشكل ظهر القانون الدولي للتنمية بغية تقنين كيفية كسب العالم الثالث تلك الامتيازات.

من جانب آخر، يشكّك القول بإعطاء امتياز لدول العالم الثالث في التجارة الدولية من قبل الدول الصناعية المتطورة، في فكرة تساوي الدول قانونياً؛ لأن التساوي القانوني يتنافى مع إعطاء دولة معينة امتيازاً في علاقاتها التجارية مع دولة أخرى. والحقيقة، إن القانون الدولي للتنمية يحاول إيجاد مساواة اقتصادية في ظلّ عدم مساواة قانونية، من خلال سدّ الفوارق الاقتصادية بين دول العالم الثالث والدول المتطوّرة صناعياً، ويرى هذا القانون أنّ مشاكل العالم الثالث الحاليّة ما هي سوى مخلّفات للاستعمار الذي تعرّضت له هذه البلدان، وهذا ما يبرّر إعطاء العالم الثالث امتيازاً في التجارة الدولية.

ويمكن تعريف هذا القانون بأنه: مجموعة قواعد القانون الدولي التي يتعلق موضوعها بمنح معاملة خاصة وأكثر إيجابية اتجاه الدول النامية، وتهدف هذه القواعد إلى خدمة هذه الدول لتحقيق الاستقلال الاقتصادي وتطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو على الأقل تسهم بالتعاون مع الدول المتقدمة في بناء نظام عالمي أكثر إنصافا.

أو هو القانون الذي يعالج موضوعات مختلفة، تهدف إلى تضييق الهوة بين الدول المتقدمة والدول
النامية. وخاصة فيما يتعلق بنقل التقانة وتمويل مشروعات التنمية، والمساعدات
الهادفة إلى تنمية الاستثمارات الأجنبية لدى الدول النامية وحمايتها.

ثالثا: خصائص القانون الدولي للتنمية :

قانون منحاز أو موجه

 

فمن الناحية الأيديلوجية: يعتبر القانون الدولي التقليدي قانونا محافظا يرسخ الوضع القائم، بينما يسعى القانون الدولي للتنمية إلى إحداث التحول في المجتمع الدولي؛

من الناحية التقنية: فإن القانون الدولي للتنمية ذو توجه يسعى إلى  المصادقة على آليات قانونية خاصة تستطيع أن تكون ذات مردودية وفعالية ومباشرة التأثير على العمل من أجل التنمية (نقل التكنلوجيا، المعاملة التفضيلية في الرسوم الجمركية).

قانون مركب أو متشعب:

ليست للقانون الدولي للتنمية استقلالية تامة فهو قانون يحمل بصمات عدة فروع قانونية مثل القانون الدولي العام والقانون الداخلي (التعاون والتأميم..إلخ) والقانون الدولي الخاص للعقود عبر الوطنية والقانون الإقليمي، إلخ.

وهو بذلك يسمو على مختلف الأنشطة والأنظمة القانونية.

وهو قانون مركب من حيث الشكل حيث أنه متعدد المصادر بين العديد من الاتفاقيات التي لازالت فعاليتها محدودة (كما أنه أيضا قانون مرن).

قانون يشكل موضوعا متنازعا حوله

فهو قانون للعالم النامي من ابتكار دول العالم الثالث وهو بالتالي يواجه بالرفض من قبل الدول الصناعية. وهو بذلك يمثل الصدام بين رؤيتين للاقتصاد العالمي:

رؤية ليبرالية بالنسبة للدول المتقدمة؛

رؤية تدخلية اقتصادية بالنسبة للدول النامية.

لقد انطلقت المدرسة الفرنسية في مساهمتها في القانون الدولي للتنمية من ضرورة اقتراح نظام قانوني جديد حيث يرى ميشل فيرالي أن : " التغيير أو التحول من نظام اقتصادي سواء كان لتحقيق أهداف اقتصادية أو تم السعي إليه بدوافع سياسية أو إيديولوجية يفترض بداية إصلاحا أو ثورة قانونية، ويتم بلوغ ذلك عبر نفس الوسيلة أي الإصلاح أو الثورة".

والواقع أن الأستاذ فيرالي يرى أن العقبات أمام التنمية ليست فقط ذات طبيعة اقتصادية أو سوسيولوجية بل هي أيضا عقبات قانونية لأن بنى الدول هي وليدة قواعد قانونية :" لقد حان الوقت على ما يبدو .... لتنظيم هذه الكيانات من الناحية التطبيقية ...ولإرساء قانون دولي حقيقي للتنمية".

رابعا: قواعد القانون الدولي للتنمية

يتناول نطاق القانون الدولي للتنمية دور القانون والمؤسسات والأنظمة القانونية في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتنمية السياسية. وكمجال قانوني مقارن حديث النشأة، فإن هذا القانون أصبح بشكل متزايد حقلا مهما للقضايا والنقاش حول بيئة التنمية الدولية وخاصة بعد عقد التسعينات. ولايزال النقاش محتدما حول معنى "التنمية" وكذلك حول المقتربات النظرية: خصائص ودور وأثر المؤسسات القانونية والفاعلين في مجال التنمية؛ وبنيات وعملية التنمية والمبادئ والمعايير التي تأخذ أو يمكن أخذها في الاعتبار. تتولد عن القانون الدولي للتنمية كتلة من التحديات التطبيقية تشمل تنفيذ وتعزيز الحق في التنمية، دور الدولة والدور المتنامي والمعولم للمجتمع المدني، دور القانون، الاستدامة البيئية الإصلاح الزراعي، الفقر والمعونة بالإضافة إلى قضايا النوع في القانون والتنمية، وبناء القانون في الأوضاع التي تعقب النزاعات، الشفافية ومساءلة مقدمي المعونة ومستقبليها والعلاقة بين حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحكم القانون. إن مركزية استدامة التنمية، وتشعب العولمة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والتقنيات الجديدة وبزوغ القوى الجديدة – بعض هذه القوى من مقدمي المعونة الجدد "غير التقليديين"-  هي مسائل تحفز وتجدد الدعوة إلى ضرورة وأهمية فهم القانون واستدامة التنمية.

إن عوامل التغيير والتحول هذه مجتمعة تتطلب تفكيرا جديدا ونقاشا حول هذا المجال فيما يتعلق بدور الدولة في التنمية وكيف ستكون قواعد اللعبة القانونية الدولية وماهية طريقة عملها.

         المبادئ الأساسية للقانون الدولي للتنمية:

يحاول القانون الدولي للتنمية بيان قواعد ترعى جهود الدول المتقدّمة في تنمية وتطوّير الدول النامية والمتخلّفة، بوصف ذلك مسؤوليةً قانونية يجب أن تقوم بها، ومفهوم هذه المسؤولية في الحقيقة يتمثل في تسديد الدول المتقدّمة لما نهبته واستثمرته من ثروات في فترة سيطرتها الاستعمارية على المناطق التي عانت من الاستعمار القديم. وبعبارة أخرى: تمثل ظاهرة عدم التنمية نتيجةً طبيعية وسيئة لظاهرة الاستعمار؛ إذاً فعدم التنمية في المستعمرات السابقة هو من آثار وتبعات السيطرة الاستعمارية، فقد أدّى ذلك الاستعمار إلى تطوّر الدول والامبراطوريات الاستعمارية ونموّها من جهة، فيما تسبّب في تخلّف اقتصاد المناطق المُستعمَرة وانهيارها من جهة أخرى.

    مبدأ السيادة؛ وتشمل عدم التدخل وحرية اختيار النظام السياسي  والاقتصادي والسيادة على الموارد الطبيعية

    مبدأ المساواة؛

    ومبدأ التضامن

إعلان نيو دلهي حول مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالتنمية المستدامة لسنة 2011:

واجب الدول لضمان الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية

مبدأ الإنصاف والعمل على اجتثاث الفقر

مبدأ المسؤوليات المشتركة والمتمايزة

مبدأ المنظور الوقائي حول الصحة البشرية والموارد الطبيعية والأنظمة البيئية

مبدأ المشاركة الجماهيرية والولوج إلى المعلومات والعدالة

مبدأ الحكامة الرشيدة والارتباط المتبادل وخاصة بالنسبة للعاقات مع حقول الإنسان والأهداف الاقتصادية والبيئية

لقد دلّ القانون الدولي للتنمية ـ بكشفه لواقع التخلّف ـ على حقائق مُرّة كانت خافيةً في هذا المجال، وقدّم أساليب مؤثرة لرفع مستوى التنمية في الدول المتخلّفة، حتى يتهيأ بذلك إطار قانوني لتحقيق التعاون الدولي بشكل حقيقي ودائم؛ لأن الفارق الكبير بين مستويات معيشة ورفاه أعضاء المجتمع الدولي، يحول دون ذلك.

والمحاور الأساسية لتحقيق هذا الهدف، هي:

1 ـ السيطرة الحقيقية على مصادر الثروة الطبيعية لدول العالم الثالث، واستخدام عائداتها في سبيل تنمية اقتصادها وتطويره وطنياً.

2 ـ عدم امتناع الدول المتقدّمة من نقل تكنولوجيتها المتطوّرة إلى الدول النامية، وإيقاف هجرة الأدمغة من الدول النامية إليها.

3 ـ يجب أن لا تؤدي إجراءات الدول النامية لإحكام سيادتها العملية على مصادر ثرواتها الوطنية، إلى قطع عملية نقل التكنولوجيا من الدول المتقدّمة صناعياً.

4 ـ يجب أن لا يؤدي نقل التكنولوجيا من الدول الصناعية إلى الدول النامية، إلى تدخل الأُولى في شؤون الثانية، أي مقايضة التكنولوجيا بالامتيازات السياسية.

5 ـ تصبّ عدم المساواة القانونية في التجارة الدولية في مصلحة الدول النامية، وذلك بهدف الوصول إلى المساواة الاقتصادية.

في هذه الحالة، يغدو القانون وسيلةً لإيجاد مساواة اقتصادية، فيما نجد أنّ من مظاهر عدم التساوي القانوني هذا، إجراء نظام ميزان التفاضل الجمركي، واختيار سياسات وبرامج تنسجم ومتطلّبات العالم الثالث من قبل المؤسّسات المالية والاقتصادية الدولية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الغات، أو تخصيص حصّة أكبر من عوائد ميراث البشرية المشترك (المعادن الواقعة في أعماق المياه الحرّة والخارجة عن سيادة أيّة دولة) للعالم الثالث.

مباحث القانون الدولي للتنمية

المباحث التي تدرس في علم القانون الدولي للتنمية، هي:

1 ـ ظهور وانحطاط الامبراطوريات الاستعمارية، وتبعات سيطرتها الطويلة على البنية الاجتماعية والاقتصادية للعالم الثالث.

2 ـ تأثيرات ظاهرة عدم التنمية في الاقتصاد العالمي.

3 ـ القانون الذي يأخذ بنظر الاعتبار سيادة العالم الثالث على المصادر الطبيعية الموجودة في أراضيه.

4 ـ تأميم ومصادرة الأموال ورؤوس الأموال الأجنبية في العالم الثالث.

5 ـ حصّة العالم الثالث من المصادر الواقعة خارج ميدان السيادة الوطنية للدول، وفي أعماق المحيطات.

6 ـ النظام الاقتصادي الدولي الجديد في قبال النظام العالمي الجديد.

7 ـ القانون الدولي للتنمية في قبال حقوق الإنسان.

8 ـ القانون الدولي للتنمية في قبال القانون الدولي الاقتصادي.

9 ـ تنظيم القواعد التي تحكم التجارة الدولية.

الجمعية العامة للأمم المتحدة :

لقد نص ميثاق الأمم المتحدة في مجموعة من مواده على مبادئ تتعلق بموضوع التنمية والقانون الدولي والعلاقات الدولية الاقتصادية وذلك على النحو التالي:

المادة 13

1- تعد الجمعية العامة دراسات وتشير بتوصيات بقصد:

إنماء التعاون الدولي في الميدان السياسي وتشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه.

إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.

المادة 55:

رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:

1- تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.

2- تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.

3- أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا.

المادة 56:

يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55.

منظمة التجارة العالمية

وهي منظمة عالمية مقرها جنيف عدد أعضائها 161 في إبريل 2015 وهي تهدف إلى  تهدف إلى ضمان انسياب التجار بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية وهي المنظمة الدولية الوحيدة المختصة بالتجارة بين الأمم.

أنشئت عام 1995 وهي أصغر المنظمات العالمية سنا حيث جاءت بعد الاتفاقية العام للتعرفة والتجارة  الغات تمنح للدول النامية معاملة تفضيلية.

وفي الأخير هناك ثلاثة ظواهر يمكن الإشارة إليها:

مخلفات الاستعمار:

إن متابعة العلاقات بين الشمال والجنوب في وضعها الراهن تبين وجود مخلفات كثيرة خاصة على المستوى الاقتصادي والثقافي والنفسي أيضا، وهذ المستوى الأخير ربما يكون هو الأعمق لأنه يغذي المستويات السابقة له. فمن الاستعمار وعواقبه ولدت جدلية التطلع إلى الاستقلال وضرورة التعاون. يضاف إلى ذلك التمييز بين الدول المقدمة للعون وتلك المستقبلة له  والذي يعتبر سببا وتعبيرا عن العلاقات الناجمة عن الروابط الاستعمارية.

مشاكل ما بعد الاستقلال

من الناحية التاريخية وخلال الفترة ما بين 1960 و 1980 سيطرت ايديولوجية العالم الثالث على النقاشات حول نهاية الاستعمار والتنمية على مستوى كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية وحركة عدم الانحياز. بينما نجد أنه خلال نفس الفترة وفي الدول الصناعية الغربية  يمكن أن نلاحظ غموضا حول ما سيجري فيما بعد من توسع في حركة العولمة.وقد كانت حقائق تلك المرحلة تفرض مصالحة بين حركة العالم الثالث والليبرالية الغربية. وفي هذه الوضعية ولد النقاش حول القانون الدولي للتنمية. وقد يرى البعض اليوم أن ذلك النقاش لم يعد مطروحا اليوم.

 

أين نحن اليوم وإلى أين نسير؟

هناك أزمة رباعية الأبعاد تهز العالم : أزمة الغذاء وأزمة الطاقة والأزمة المالية والأزمة الأيديولوجية وكلها تجعل من الصعب طرح المشاكل بنفس المصطلحات المستخدمة من قبل. وعليه يجب البحث عن حلول جديدة في قانون جديد فعال وحقيقي. وبالنظر إلى تلك الأزمات عن قرب نجد أنها ليست سوى استمرار أو تفاقم لتلك المشاكل التي كانت قائمة في سنوات السبعينات. والفرق الوحيد هو صعود ملحوظ  لقوى اقتصادية جديدة .ولكن إذا كانت المعطيات الملموسة قد تغيرت فإن جوهر المشاكل التي تبحث عن حلول هي نفسها: أي العلاقات بين المسيطر والمسيطر عليه.يمكن أن تؤدي الأزمات الراهنة إلى انزلاقات ولكنها تفتح المجال أيضا أمام تفاهمات يمكن أن توصل يوما ما إلى تنظيم عالمي جدير بهذا الإسم.

 

نشيرفي الأخير ونكرر أنّ العالم الثالث، ومن خلال طرح آرائه في إطار القانون الدولي للتنمية، لا يسعى إلى إلغاء أو إنكار القانون الدولي، وإنما يريد تغيير بُنية القانون الدولي التقليدي، الذي لا يهتمّ بالتنمية الاقتصادية في العالم الثالث، من أجل تثبيت قانون دولي حقيقي، يعترف بمكانة العالم الثالث على الساحة الدولية، وبدون أدنى شك، لو استطاع العالم الثالث إكمال الخطوات التي بدأها قادة عدم الانحياز في مؤتمر باندونغ، وتحقّق التعاون بين دوله، عند ذاك هناك أمل كبير بأن تصبح مقرّرات القانون الدولي للتنمية، عرفاً دولياً، ويصل العالم الثالث إلى التنمية الاقتصادية والاستقلال الحقيقي.

 

 

وشكرا لكم

 

 

 

 

المراجع:

بالعربية:

د. ياسر علوي، المفاوضات التجارية من الدوحة إلى هونج كونج: معركة الجنوب

ورقة عمل أولية.

 

بالفرنسية و الانكليزية:

 

Daniel Bardonnet. In memoriam, le professeur Michel Virally 1922-1989. Annuaire français de droit international.XXXIV, 1988 Editions CNRS, Paris.

Guy Feuer. Le droit International du développement, une création de la pensée francophone.

Jorge E. Vinuales. The secret of tomorrow, International organization throught the eyes of Michel Virally. The European Journal of International Law, Vol 23. N° 2, 2012.

Joseph Stiglitz. Towards a new paradigm for development. 9th Raul Prebisch lecture, October 1988, UNCTAD, Geneva, 1998.

Le retour des non-alignés sur la scène internationale, changement dans la continuité.

Michel virally. Vers un droit international de développement, 11 annuaire français de droit international, 1965.

Mohamed Bedjawi. Towards a new international economic order, UNESCO, paris, London, New York, Holmes & Meier publishers, new challenges to international law. Paris, UNESCO, 1979.