هل كان الاستقلال الوطني: آخر أيام نومنا ؟ أم أولها ؟

أحد, 11/08/2015 - 18:20

هذا آخر نومنا << بلادنا لاتشتكي

شانقطه شنقيطنا <<لنا ولا للمالك

نشيد ردده ثوار "النهضة" وهم يخوضون أول حملة إعلامية وسياسية مطالبة بالاستقلال الوطني في العام 1958م  خلال استفتاء" نعم أو لا" .

كانت النهضة وقتها- بحق- تمثل النخبة الوطنية الصادقة من كل الأطياف السياسية، والإيديولوجية: (التقدمية والإسلامية والقومية العربية)  . وكان التصويت ب "لا" يعني التصويت للاستقلال الوطني ، في حين يعني التصويت ب"نعم" التصويت للبقاء تحت سلطة الاستعمار الفرنسي، وقد عبر شاعر حساني(سالم ولد ببوط ) عن هذا الموقف قائلا :

وي أونون ألا خيارات << والمخير ماه مغبون

وي أمحالي فالحسنات << وامحالي فالفظ نون

 ولن نخوض طويلا في مبررات المرحوم المختار ولد داداه ،ورفاقه في حزب التجمع (الذي يمثل موريتانيا الأعماق)  وحكمتهم، وحرصهم علي الوحدة الوطنية، والاستقرار الاجتماعي ويكفي للتدليل علي ذلك أن نعرف أن نتائج الاستفتاء أعطت نعم للاستعمار نسبة 94% من أصوات الموريتانيين "التجمعين " مقابل 6% لصالح أنصار النهضة أو "الوعي الديمقراطي".

لقد أدت هذه النتيجة إلي استقلال من نوع آخر! وصفه الشاعر السابق بأنه: (استقلال غير مفهوم)،وقال عنه أحد المعارضين: (إنه استقلال مفروض علينا "لا ناقة لنا فيه ولا جمل": استقلال لجمهورية إسلامية من صنع فرنسي! وعلي أيدي جماعة سخًرت نفسها لتنفيذ أجندة الاستعمار، وسياساته ، ورعاية مصالحه  ).!

إن هذا الاستقلال "المزعوم" حرم موريتانيا –في نظر الكثيرين – من الاستقلال الحقيقي الذي كان سيقود البلاد إلي الخروج نهائيا من سيطرة الهيمنة، والاستبداد الداخلي، والخارجي! ووأد سريعا الطموح الثوري نحو التحرر الكامل ، وأنتزع من الصدور جذوة الإبداع، ودفع الجميع إلي الخلود للنوم ولسان حاله يقول:

ناموا ولاتستيقظوا <<<< مافاز إلا النٌومُوا

هذا الافتراض – علي غرابته-  سوف يتعزز مع خروج  سيد المختار ولد يحي انجاي -رئيس البرلمان وقتها-  من عباءة النظام الجديد الذي أسسه استقلال 1960م ، وذلك إثر المصادقة علي أول  دستور للبلاد  1961م .

وقد أعلن ولد يحي انجاي أنه فعل ذلك من أجل الابتعاد عن مسار أحادي أدرك أنه سوف يسير بالبلاد في اتجاه الاستبداد، وسيؤدي إلي إجهاض التجربة الديمقراطية الاستعمارية (الهزيلة أصلا).

وقد حدث بالفعل - في نفس السنة(1961م)- أن تأسس حزب الشعب الموريتاني الذي أدمج بداخله حزب الوعي الوحيد (النهضة) في صفقة مُظلمة من تاريخ الوعي السياسي، ومعها طويت صفحة الأمل في تحقيق الاستقلال الوطني، ودخلت "النهضة" مع غيرها في سبات عميق لم يستيقظ منه نظام حكم "الاستقلال المفروض" ،ومعه  "الوعي المدني" إلا علي أزيز سيارات الجيش وهي تحاصر قصر رئيس الحزب والدولة، وتعلن عن قيام أول انقلاب عسكري عام 1978م .

 عاد الأمل من جديد (ولو للحظة ضئيلة)، واشرأبت الأعناق، وأخذ حلم جيل النهضة والاستقلال الحقيقي يكبر قليلا.

 لقد كان المرحوم الرائد جدو ولد السالك يطمح إلي السير بالبلاد عل خطي زعيم الوعي التقدمي بوياكي ولد عابدين، وقد حمل البيان الأول للجنة العسكرية للإنقاذ الوطني نقاطا هامة :شملت بالإضافة إلي إيقاف الحرب مع الأشقاء الصحراوين - تحقيق التنمية الاقتصادية للبلاد، ووضع الأسس ل"ديمقراطية سليمة".

لكن "الرياح تجري بما لا تشتهي السفن"  لم يتحقق أي شيء علي الإطلاق بشواهد الواقع، وعلي العكس تماما دخلت البلاد في دوامة من الانقلابات ،والصراع علي النفوذ بين القادة العسكريين، وحلفائهم من قيادات "الاستقلال المفروض من فرنسا"،  واستمر ذات التوجه الأحادي اللاديمقراطي .

 وها نحن اليوم نقف أمام  55سنة من ذلك الاستقلال دون أن نقطع خطوة جدية وواضحة نحو إرساء الديمقراطية الحقيقية، أو يتيقن الشعب الموريتاني بأن بلاده قد نالت استقلالا تاما غير منقوص، ولعل أول مايزعج أبناء موريتانيا الغيورين علي مستقبل بلادهم هو أن يبقي الاستقلال الوطني في حيز لايتجاوز حدود الاستعراضات العسكرية علي الطريقة الاستعمارية التي تغرس دائما في أذهان الشعب المقهور منذ 55 عاما فكرة الخوف من السلطان، والرهبة، والخنوع ،والاستسلام ،وبعبارة واحدة النوم الثقيل أمام تحديات  استقلال تغيب كل معانيه، ولا يحضر منها سوي صورة تمثيلية باهته لذلك الجيش الغازي الذي دخل البلاد مُرهبا ومُتحكما  ذات يوم من عام 1900م .

إن اليقظة والوعي في الذكري الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني تتطلب وقفة تأمل في واقع لا يتقدم فيه الوعي المدني والديمقراطي خطوة إلا ليتراجع خطوتين، و لاتزال وصمة عار من استفتاء "نعم أولا" تلاحق هذا الشعب بكل أطيافه ،ومثقفيه ،وأحزابه ،وتدعوهم للتفكير والانتباه لحال دولتهم ،ونهضتهم الثقافية ،والفكرية قبل التفكير في أي شيء آخر.

إن التجاهل والتستر علي الحقائق التاريخية والوقائع الثابتة لن يقود إلا إلي مزيد من إهدار السنوات تلو السنوات حتى تجد الدولة نفسها عاجزة عن مسايرة الركب العالمي الذي يعيش تحولات مذهلة في الفكر، والعلم ،ويحقق تقدما سريعا لن يكون بإمكاننا العيش خارج تياره فترة طويلة .

الحاج ولد المصطفي:

Hajmoustapha@gmail.com