الربيع العربي والعلماء والمحراب وصناعة القادة مواقف خالدة بين الفقهاء والسلاطين ؟!./ د محمد المختار دية الشنقيطي

أحد, 11/08/2015 - 07:50

الحلقة  الرابعة : نماذج من ثورات العلماء الهداة  على من طغى وتجبر من الولاة أوائل تجارب الربيع العربي ؟!.

 إن الإسلام ليس مجموعة من الوصايا الخلقية والعبادات الشخصية فحسب وإنما هو مع ذلك نظام شامل للتحرر السياسي والعدل الاجتماعي، وضمان وثيق لحقوق الإنسان وكرامات الأمم .

 والحكم في النظام الإسلامي منطلقه وقاعدته وضابطه أنه شورى بين المسلمين، وليس لأحد أن يفتات عليهم، أو يستبد بهم، والواجب شرعاً على الشعوب أن تختار أكفأ رجل فيها لتلقي إليه زمامها، وحقها أن تسائله عما اؤتمن عليه، وتقصيه أو تدنيه وفق سيرته فيها .

 والحاكم في الإسلام هو الأداة الفعالة لنشر الحرية وبسط العدالة، فإذا نسي أو فرط كان الخلل القاتل في الكيان الإسلامي كله ... وإذا تنكر الحاكم للإسلام أو تمرد على حدوده أمسى سرطاناً يغتال اليوم  والغد .. وهوان المسلمين اليوم هو النتيجة الحتمية  لفساد الحكم.

والدولة المسلمة لن تجيء إلا ثمرة أمة مسلمة ولن ترى الأمن والاستقرار إلا إذا بسطت الحرية ونشرت العدل  قال تعالى:{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن}، وإذا صدقنا أن الظالم المستبد السالك سلوك الوثنيين سيقيم حكما للتوحيد صدقنا أن يقيم الدٌعار حكماً للفضيلة، وأن يقيم المهازيل نظاماً للرجولة، وأن يقيم العبيد منهاجاً للسيادة.. والحق الذي تصرح به قواطع القرآن ومحكمات السنن وناضجات التجارب أن كل مستخلف في الأرض يكون قربه أو بعده من الله على قدر بصره بالحق وانصياعه له وأخذه نفسه والناس به .

الإمام الأوزا عي العالم الرباني والمحدث الناقد , والتابعي المجاهد للولاة والثائر في وجه الحكام الطغاة المهدرين للعدل والمنتهكين للحريات ولو كانوا من المنتسبين لآل البيت  ممن انحرفوا عن الحق وحادو عن العدل في الحكم  فقد كان ينطلق من تلك المبادئ الأصلية والقواعد الشرعية الثابتة في خروجه على الحاكم ومواجهته له !

سقطت الدولة الأموية بسبب الظلم وانتشار ثورات العلماء وجهاد الثائرين, وبزغ نجم العباسين, ولم ينتصب معه ميزان العدل والقسط الذي تطلع إليه المسلمون في كل دفاعهم وثوراتهم السابقة والتي منها دعمهم ومساندتهم لثورة العباسين على بني عمومتهم من الأمويين ؟!

فقد كان الثائرون في الربيع العربي الأول من العلماء يتطلعون إلى خلافة تنشر العدل والإنصاف والأمن بين الرعية, وتعود بالخلافة إلى أيام عزها ورشدها, بعد ما أصاب مسارها من الانحراف الظاهر, بل وما ارتكب باسمها من الفظائع وعلى رؤوس الأشهاد, فقد كان هم ودافع العلماء والثوار في الربيع العربي الأول من المعارضين للطغيان هو: إيجاد خلافة راشدة على منهاج النبوة يقودها رجال يهدون إلى الحق وبه يعدلون .

وقد بدأ أمير المؤمنين الخليفة العباسي الأول عبد الله بن محمد بن علي, بداية عهده بالصلاة الجامعة بالناس بالكوفة, وارتقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه, وافتخر بقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم وندد بما قام به الفجرة والظلمة من بني عمومته: من حرب, ثم قال:( وإني أرجوا ألا يأتيكم الجور من حيث أتاكم الخير, ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله ) .

ثم أدركته وعكة مرضية فجلس على المنبر, وصعد عمه داود بن على المنبر ليقول من خطبته الشهيرة:( إنا والله ما خرجنا في هذا الأمر لنكثر لجينا, ولا لنحفر نهرا, ولا لنبني قصرا, وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا والغضب لبني عمنا, وما كرثنا من أموركم, وبهظنا من شئونكم, ولقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فراشنا, ويشتد علينا سوء سيرة بنى أمية فيكم, وخرقهم بكم, واستذلالهم لكم, واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم, ولكم ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة العباس رحمه الله, أن نحكم فيكم بما أنزل الله, ونعمل فيكم بكتاب الله, ونسير في العامة منكم, والخاصة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فو الله ما صعد منبركم هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمير المؤمنين على بن أبي طالب, وأمير المؤمنين أبو العباس!!".

وما هي إلا لحظات النصر, وغرور الملك حتى بدأ الذين أعطوا الناس بالأمس ذمة الله وذمة رسوله أن يحكموا بما أنزل الله وبسنة رسوله الله, ويسيروا في العامة والخاصة بكتاب الله, حتى صاروا ثعالب يمعنون في الغدر وسفك الدماء وإزهاق النفوس وخيانة العهود بالأمويين والبطش بمن تعاطف معهم وإلى مدى بعث الفزع وزلزلة الاطمئنان في نفوس الناس ؟!.

وكان أشد ملوك بني العباس عصفا بالأرواح وهيجانا للشر, وزلزلة للسكينة حجاج بني العباس (عبد الله بن علي) عم أمير المؤمنين الذي وصف بالسفاح , هذا العم المغرور: اعتقد أنه ظل الله في أرضه, يعز من يشاء ويذل من يشاء , وقد انهزم مروان بن محمد على يده في معركة الزاب, فعد ذلك مبعث فخر متطاول, ورأى نفسه صاحب الأمر الحقيقي, إذ استطاع أن يهزم آخر خليفة مرواني, ثم أخذ يتبعه بجنوده حتى تم مصرعه , وأورثه ذلك  جماحا ونزقا , فأخذ يتبع العزل من بني حرب وبني مروان, ليستأصل شأفة الأيتام والأرامل والعجزة من النساء ! وكأنه في سباق دموي مع أبي مسلم الخرساني, فإذا أباد أحدهما معشرا نافسه الآخر بأضعاف ما أباد, لا يرقبان في أحد إلا ولا ذمة ! وحقت كلمة الله على الجميع, فوقع البأس بين الطغاة, وأكل بعضهم بعضا في النهاية, وتلك سنة الله الماضية في الطغاة  وقبيلهم، قال تعالى:{ الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}.

والقراءة الفاحصة للتاريخ تثبت أن البطش والتنكيل الذي أصاب المعارضين من الخلفاء العباسين في العراق لم يكن لبني أمية وحدهم, وإنما كان لكل من تحفظ أو عارض نظام الحكم, وآية ذلك أن العراق لم يكن في وقت من الأوقات موطنا لبني أمية, وخاصة في أخريات عهدهم عند ما انبثقت عليهم فيه البثوق وكادت أن تأتي على سلطانهم قبل زحف العباسين, وإنما كانت الشام هي موطنهم ومعقل أنصارهم, وقد وقعت جرائم الإبادة والاستئصال في الجميع على يد عبد الله بن علي فهو صاحب الإثم الكبير في سفك الدماء !

وقد كانت في أهل الشام عزة  وحمية  جعلتهم  يعز عليهم أن  يروا الناس يفتك بهم  لمجرد الشبهة, فكل من كانت له صلة ما ببني أمية لقي حتفه على يد عبد الله ! والشام حاضرة الأمويين وعرين سلطانهم, فلا ريب أن يكثر بها الأشياع والمريدون, ولا ريب أن يستحر القتل والاغتيال فيهم, وأن تعطى عهود الأمان فيها , حتى إذا استسلم الخائف لقي مصرعه دون اكتراث بوفاء للعهود  !

فبدأ الناس يتحدثون في كل مكان, ما بال بني العباس من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, يفعلون ما لا يقولون ويرتكبون من المظالم ما لا يمكن السكوت عليه ! وجاءت الأنباء لعبد الله بن علي بذلك, فرأى أن يسكت الناقدين باسم الدين , وأن يكون ذلك على رءوس الأشهاد, فقرر أن يبدأ باستجواب العلماء وكبيرهم  فقيه الشام وعالمها الكبير( أبا عمرو عبد الله الأوزاعى ) في شأن دماء وأموال بني أمية وأنصارهم, وهو يعتقد أن الفقيه لن يجرؤ على الفتوى بما يخالف هوى السلطة, وهو يرى السيوف تبرق, والدماء تسيل ومقولة الأمن قبل العدل قد لا تكون من منطقه ! ولكن الربانيين من علماء الأمة لهم شأن آخر مع الحق والعدل ،وليقضى الظالم بما هو قاض في هذه الحياة الدنيا ولن ينفذ من أمره إلا ما أراده قاض السماء والأرض، وذلك هو مطلب وغاية الربانيين من علماء الإسلام، لا علماء السلطان الذين يقولون للظالم أو الكافر{ إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين!}

وقد كان الإمام الأوزاعي صاحب مهابة وجلال ألبسه الله لبوس الإيمان, وله في الفقه إمامة ذات صدارة, وهو المتخرج من مدرسة الصحابة من أمثال: أبي عبيدة  عامر بن الجراح, وبلال بن  رباح, وشرحبيل بن عمرة, ممن أقاموا من الأصحاب رضي الله عنهم بالديار الشامية .

كما أخذ العلم عن عطاء, وابن سرين, ومكحول, والثوري, من مشايخ التابعين, وروى عنه جماعة من مشيخة الفقهاء التابعين ممن كانوا في طبقة أساتذته : كقتادة, والزهري, وقال ابن خلكان في ترجمته:(هو إمام أهل الشام ولم يكن بالشام أعلم منه ثم حكي عنه, إن سفيان الثوري بلغه مقدم الأوزاعي فخرج حتى لقيه  بذى طوى, فحل سفيان رأس بعيره ووضعه في رقبته, فكان إذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ, ومع أنه صاحب مذهب فقهي تبعه الناس أحقابا متطاولة ثم اندرس, وقد كان أديبا فصيح اللسان, قوي الأسلوب, جزل العبارة ) .

أحضر عبد الله بن على كبير علماء الشام وإمام الفقه في الإقليم, فهش للقائه حين أقبل, وأجلسه في صدر المجلس وكأنه يحاول بالترحيب به أن يميله إلى حاشيته, ثم بدأ فتكلم عن مآثم بنى أمية وما صنعوه بالحسين وآل البيت, ثم ما قام به ولاتهم من أمثال: الحجاج, وعمر بن يوسف, وعبد الله بن زياد, من إرهاب وطغيان، وكأنه في اجتماع أمم ويتحدث عن المتشددين والإرهابيين والمتطرفين, واتجه بالسؤال إلى الإمام والعالم الصادع بالحق الأوزاعى فقال: يا أوزاعي, ما تقول في ثورتنا على الأمويين ؟!

فرد العالم والشيخ الوقور على الخليفة المغرور بقوته وانتصاره( الحاكم ولي الأمر) بصرامة: فقال:  قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".

فتمعر وجه الوالي ( ولي أمر المسلمين) عبد الله, وظهر الغضب في وجهه, ولكنه كظم غيظه وسأل متهجما: وما قولك في دماء بني أمية؟

فلم يتردد العالم المجاهد الصادع بالحق في وجه الطغيان بالرأي الصحيح  الصريح  الواضح في بيان حكم الله: قد كانت بينك وبينهم عهود, وكان من الواجب شرعا أن تفي بها . فلم يتمالك (ولي الأمر الطاغية) أن صاح وقد اشرأبت أعناق القوم: اجعلني وإياهم لا عهد بيننا ؟

فنظر العالم المجاهد الأوزاعي إلى الوالي في حدة , ثم صاح: دماؤهم عليك حرام!

فثارت ثائرة ( ولي الأمر الظالم) عبد الله وهم أن يبطش بالعالم المجاهد والشيخ  الوقور, ولكن ماذا سيكون بعد مصرعه ؟

إن الجريمة قد سجلت عليه دون إفلات, ولابد من ملاينته ليتراجع قليلا, فاصطنع الهدوء وقال للأوزاعي: وما دليلك يا شيخ الشام ؟

فلم يمهله العالم المجاهد الصادع بالحق في وجه الطغيان الأوزاعي, فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والتارك لدينه, المفارق للجماعة "!

تعقد المأزق في وجه الخليفة(ولي الأمر الظالم) واسودت الدنيا في  وجهه, وضاقت عليه الحياة بما رحبت في وجه العالم, ثم رأى أن يتراجع عن الدماء ويسأل عن الأموال, فقال: وما رأيك في أموالهم ؟

فرد عليه العالم المجاهد الأوزاعى في هدوء مستقر واطمئنان لا يتزعزع: إن كانت أموالهم في أيديهم حراما فهي حرام عليك أيضا . وإن كانت حلالا فلا تحل  لك  إلا بطريق شرعي .

فاستبد الغيظ هنا بالطاغية وصاح محنقا: ما هذا ؟ أليس الأمر لنا آل البيت- ديانة.

فابتسم العالم المجاهد الصادع بالحق الأوزاعى وقال: كيف هذا ؟

فرد عليه الظالم الحاكم عبد الله متحديا: ألم يوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى على ؟

فهز العالم المجاهد الأوزاعى رأسه وقال في ابتسام المؤمن الواثق: لو أوصى إليه ما حكم الحكمين !!

فاستشاط الحاكم الظالم ابن على من الغيظ وصاح بأتباعه: أخرجوه ! أخرجوه! وأخذ يبيت في نفسه للرجل الشر ليعصف به عن قريب  .

وانتشر في الناس خبر حوار العالم المجاهد الأوزاعي مع ولي الأمر الظالم عبد الله بن علي ولكن الحاكم الظالم انشغل عن العالم الصادع بالحق بالعبء الفادح الذي نزل بساحته, إذ جاءه النبأ العظيم بموت أمير المؤمنين ومبايعة أبي جعفر المنصور, وكان يرى لنفسه الأمر, فهاج هائجه وهيأ جنود لمقاتلة المنصور زاحفا بكتائبه المتراصة, ويرميه أبو جعفر بأبي مسلم ! فيتعارك الطاغيتان, وتدور الدائرة على طاغية الشام, ثم لا تمهل طاغية خراسان فيلقى مصرعه على يد طاغية ثالث,{وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا} .

وتمضي الأيام ويعيش العالم المجاهد الصادع بالحق الأوزاعى مبجلا مهيبا في دمشق الشام, ثم يرحل إلى بيروت فيقيم بها عزيز مهابا مكرما حتى يأتيه الموت, فينفر الناس إلى تشييع جنازته متزاحمين, ويتطلع عامل المدينة ليرى الجند المتزاحم خلف نعشه فيقول في تعجب: رحمك الله أبا عمر ! فقد كنت أخافك أكثر من ما أخاف أمير المؤمنين.وهذا وعد الله للصادقين,وسنته الماضية في الأولين.

ورضي الله عن الإمام الحسين لقد كان يحس أن الأخطار التي تتهدد الإسلام ومستقبله تتمثل في الطريقة التي ملك بها يزيد الحكم، والطريقة التي يصرف بها شؤون الناس وهو يستحضر قول الله عز وجل:{إن الله لا يهدي كيد الخائنين}{ ولا يصلح عمل المفسدين}ورسول الله – صلى الله عليه وسلم- "سيد الشهداء حمزة ورجل عمد إلى سلطان جائر فأمره فنهاه فقتله".

والكارثة في تاريخ الحكم في الإسلام أن يتولى السلطة جاهل ماجن خليع، فتسكت عليه الأمة فتفقد أجل خصائصها، قال صلى الله عليه وسلم:"ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه إلى الحق اطراً"، ولقد كانت ثورات عبد الله بن الزبير والحسين بن علي حركات يثبت بها الإيمان وجوده، ويجدد بها حياته ويتجهون بالأمة إلى مرضات ربها .

ولقد كان العلماء والفقهاء بل أولى الألباب جميعاً يتفقون على أن مقاومة يزيد دين، ولكنهم يريدون أن تكون خطة الثورة أو الربيع العربي الأول ذكية بقدر ما هي جريئة وإلا فإن الحاكم المستبد سيشرد برجالها من خلفهم، ومن هنا لام بعض العلماء الحسين بن علي رضي الله عنه في مخرجه أيام يزيد وتعرضٌه وأهل بيته للتخوف من غير خطة حكيمة، أو حيلة ناجحة، أو قوة مساندة؟، ولم يلم على الخروج على أنه غير جائز أو محرم كما يقول فقهاء السلطان في أيامنا هذه تفيهقاً وهذا ما جلاه ووضحه فقهاء المالكية في الغرب الإسلامي في ثورتهم على الحكام ولولات بقيادة العالم بن خيرون والتي أسقطت الدولة الفاطمية ومحقت التشيع الباطنية من الغرب الإسلامي .

لقد اتفق جلٌ المؤرخين على أن يزيد كان حاكماً فاشلاً وأن طريقة وصوله للحكم غير شرعية، وأن مدته القليلة حفلت بحوادث مشئومة.. !!

ولم يختلفوا كذلك على أن هناك رجال أحق من يزيد بالخلافة وأقدر على تولى شؤون المسلمين، وأرضى لله في خلقهم وعملهم .

وفي طليعتهم الحسين بن علي- رضي الله عنه- سبط رسول الله – صلى الله عليه وسلم..

والذي سبب فشل الثورة على يزيد أن الكارهين لحكمه والمعارضين له لم يجمعهم نظام دقيق، ولم تتخذ ثورتهم عليه منهجاً واضحاً موحداً..!

والكثير من الفقهاء كانوا يكتفون بالسخط  المجرد، السخط الذي يتجاوز الفؤاد أحياناً إلى اللسان، كلمة نابية، تقال في الخلاء...!!

وفي هذا الوضع ليس بمستغرب أن يرشح نفر كثير أنفسهم لهذا المنصب، لقد تولاه من هو دونهم فكيف يبعد عنهم أو يستكثر عليهم ؟؟

وقد سطا وتطاول من حول الحاكم ممن اجتمعوا عليه بقوة السلطان؟ وتغريهم حلاوة الدنيا في ظله فيتحدون خصومه بعنف ..؟

والمعارضة مفككة مرتبكة لا تلبث أن تضمحل أمام دولة موطدة الأركان محشودة الأعوان، ولو كانت المعارضة أكثر أنصاراً وأدنى إلى الرشاد، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فكان ذلك هو سبب الفشل الذي لحق كل ثورات الربيع العربي ضد أنظمة القهر والاستبداد بما فيها مصر والشام وطرابلس الغرب ليبيا.

يقول ابن كثير:" قدم عبد الله بن عمر المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسير ليلتين أو ثلاث. قال: أين تريد؟ قال: العراق- ومعه طوامير وكتب-فقال: لا تأتهم! فقال: هذه كتبهم وبيعتهم!

فقال: إن الله خير نبيه – صلى الله عليه وسلم- بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا. وإنكم بضعة من رسول الله، والله لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها عنكم إلى الذي هو خير منكم  فارجعوا .

فأبى وقال: هذه كتبهم وبيعتهم! فاعتنقه ابن عمر وقال:أستودعك الله من قتيل!!

قال ابن كثير: وقد وقع ما فهمه ابن عمر من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الاستقلال ويتم له الأمر. وقد قال ذلك عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. إنه لا يلي أحد من أهل البيت أبداً، والفاطميون الذين حكموا أكثر العلماء على أنهم أدعياء لا صلت لهم بآل البيت ؟! والانتساب لآل البيت من قبل الفاطميين إنما من قبيل ما يعلمه النهازون والدجالون من محبة المسلمين لنبيهم وبيته اصطنعوا أنساباً يمتون بها إليه. وأقاموا حكامات كانت-بسيرتها المخرفة-وبالاً على الإسلام وأهله .

والمعروف علمياً أن الزعامة ليست مما تنقله الوراثة، وكم من سلالات باعدت بينها وبين الأصل فروق ضخمة في الخصائص والمواهب .

وربما ظهر في بيوت المسلمين العامة من يعد أرحب ذكاء وأوسع باعاً وأصدق إيماناً وإخلاصاً من رجال انحدروا من أصلاب أنبياء... وما كان صلاح الأب ضماناً لصلاح ذريته إلى قيام السلعة .

ومع ذلك فقد يظهر في أولاد العظماء من يحاكون نبوغهم ويجددون في الحياة امتيازهم، والرجال الذين يضمون إلى كفايتهم الخاصة عراقة الأصل يتمتعون بنفوذ مضاعف ومكانة مرموقة، وتلك منح لا تتاح لكل أحد، وقليل من الناس من يجمع بين الذكاء والجمال والغنى والعلم والقوة والحلم والدين والدنيا.. ؟!

وفي الحديث النبوي الشريف أن أول السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة"إمام عادل" وجاء أن أول أهل الجنة الثلاثة"ذو سلطان مقسط موفق".

فإمامة المسلمين في الحكم- كإمامتهم في الصلاة- عبادة محضة.

وما يستطيعه المصلحون إذا حكموا أجدى على دين الله ودنيا الناس ألف مرة مما يستطيعه الصالحون إذا اعتزلوا .

بل إن فساد الحياة ومثلها العليا يرجع أول ما يرجع إلى أن نفراً من الطغاة أمكنتهم الأيام من أن يحكموا الأرض آماداً طويلة فقلبوا الحقائق في أفهام الناس وأوهامهم، وجعلوا سوق الرذائل نافقة، وتجارة الآخرة كاسدة، وفقهاء السلطان ، بل واليهود والنصارى في ذلك لهم مشرعون ومبررون، بل ومقاتلون وفيهم يقول الحق جل وعلا :{ فويل لهم مما كتب أيديهم وويلهم مما يكسبون} وقال:{ وإن منهم لفريقاً يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله }،{ ليشتروا به ثمناً قليلا}.