امريكا ترضخ للشروط الروسية وتتراجع عن موقفها بضرورة رحيل الرئيس الاسد.. فما هي اسباب هذا التراجع المفاجيء؟

أحد, 09/20/2015 - 14:36

فجر جون كيري وزير الخارجية الامريكي قنبلة من العيار الثقيل عندما اعلن، وللمرة الاولى في مؤتمر صحافي عقده في لندن مع نظيره الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد ترحيب الرئيس باراك اوباما باجراء مباحثات عسكرية مع روسيا بشأن سورية لقتال “الدولة الاسلامية”، او “داعش”، وقال “تركيزنا ما زال على هذه “الدولة” (داعش) وعلى التسوية السياسية التي نعتقد انه لا يمكن تحقيقها مع وجود الاسد لفترة طويلة”.

هذا الكلام “الدبلوماسي” يعني ان واشنطن لم تعد تنظر الى الرئيس الاسد كرئيس “غير شرعي” وتشترط رحيله كليا في اي حل سياسي، بما في ذلك “المرحلة الانتقالية” المقترحة، في مؤتمر جنيف بنسختيه الاولى والثانية.

القبول باجراء مفاوضات عسكرية مع روسيا حول النزاع في سورية هو رضوخ للامر الواقع الذي فرضته روسيا من خلال ارسال معدات عسكرية حديثة وآلاف الخبراء العسكريين الى سورية، واصرارها على ان الرئيس الاسد خط احمر ولا يمكن ان تتخلى عنه، ومستعدة ان تقاتل لبقائه على رأس السلطة في دمشق.

***

كيف توصلت الولايات المتحدة الامريكية الى هذه النتيجة التي حتمت تراجعها عن كل او معظم مواقفها السابقة ما يقرب من 180 درجة؟ هناك عدة اسباب نلخصها في النقاط التالية:

اولا: بعد اكثر من ستة آلاف غارة جوية على مواقع “الدولة الاسلامية” دون اضعاف حقيقي لها، اي للدولة، واستيلائها على الرمادي وتدمر، ادركت واشنطن انها لن تكسب هذه الحرب في غضون اشهر او سنوات.

ثانيا: رفض حلفاء واشنطن العرب، وبالتحديد المثلث السعودي التركي القطري ارسال قوات برية لحرب “الدولة الاسلامية”، وانهيار القوات العراقية امامها في الرمادي والموصل، وغرق السعودية في مستنقع اليمن الدموي، وتركيا اردوغان في حرب استنزاف ضد حزب العمال الكردستاني، والتوصل الى نتيجة ان الجيش العراقي لا يملك ارادة القتال، ولا فائدة ترجى منه في ميادين الحرب رغم انفاق 27 مليار دولار على تسليحه وتدريبه.

ثالثا: فشل كل خطط تدريب معارضة سورية معتدلة، وهروب معظم من جرى تدريبهم في تركيا والاردن قبل اطلاق رصاصة واحدة ضد “الدولة الاسلامية”.

رابعا: اعلان موسكو عن عزمها التجاوب مع اي طلب رسمي من السلطات السورية لارسال قوات الى دمشق، مما يعني انها اصبحت ملتزمة التزاما كاملا بالدفاع عن الرئيس الاسد ونظامه حتى لو تحول الامر الى حرب عالمية ثالثة.

خامسا: بعد توقيع واشنطن اتفاقا نوويا مع ايران، واقرار الكونغرس له، وجدت الطريق مهيأ امامها لبدء الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الاوسط باتجاه جنوب شرق آسيا، خاصة بعد استغنائها عن نفط الشرق الاوسط كليا.

سادسا: انعكاس الازمة السورية على اوروبا من خلال تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الامر الذي يشكل ازمة ديمغرافية، وتقسيم اوروبا الى معسكريين، الاول لاوروبا القديمة (المانيا، فرنسا، بريطانيا، بلجيكا)، والثاني، اوروبا الجديدة (بولندا، المجر، رومانيا، بلغاريا)، الامر الذي يهدد بانهيار الاتحاد الاوروبي.

على ضوء كل ما تقدم يمكن القول ان الادارة الامريكية سلمت الملف السوري برمته الى روسيا، وبدأت تنفض يدها تدريجيا من كل التزاماتها تجاه المعارضة السورية والدول العربية الداعمة لها، مثل السعودية وتركيا وقطر.

لا شيء يأتي صدفة في اوروبا وامريكا، والغرب عموما، فمنذ اللحظة الاولى التي خرج فيها وزير خارجية اسبانيا، واعلن عن ضرورة التفاوض مع الرئيس بشار الاسد للتوصل الى حل سياسي للازمة السورية، وانضمامه الى تحالف لمحاربة “الدولة الاسلامية”، وتكرار المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ووزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند للشيء نفسه بات واضحا ان كل هذه التصريحات تمهد لهذا التراجع الامريكي في الملف السوري.

المفاوضات العكسرية الوشيكة بين وزيري الدفاع الروسي والامريكي ستؤسس لتحالف روسي امريكي عسكري يعطي اولوية لمحاربة “الدولة الاسلامية”، وربما هذه هي المرة الاولى في التاريخ التي تتفق القوتان العظميان ضد عدو واحد مشترك، وتخوضان الحرب سويا ضده.

***

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح في فرض وجهة نظره على الامريكيين والاوروبيين معا في تأسيس هذا التحالف العسكري الطاريء، وضم الرئيس السوري بشار الاسد، وربما ايران ايضا له.

هل سينجح هذا التحالف بين القوتين العظميين في القضاء على “الدولة الاسلامية” واقتلاع جذورها من المدن التي استولت عليها في العراق وسورية؟

من الصعب اعطاء اجابة حاسمة، لان هذه الدولة قوية، ومكتفية ماليا وتسليحيا، وتقاتل على ارضها اي انها ليست ضيفة على احد، وتملك سلاحا خطيرا جدا لا تملكه كل القوى الاخرى المناهضة لها، وهو “العمليات الانغماسية” اي الانتحارية، مثلما تملك غابات من الاسمنت في المدن التي تسيطر عليها، الامر الذي يعني ان هزيمتها لن تكون سهلة، والحرب ضدها قد تأخذ وقتا طويلا جدا، علاوة على كونها باهظة التكاليف، ماديا وبشريا.

الامر المؤكد ان المثلت السعودي التركي القطري، والسيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي المتحدث باسمه سيصاب بالصدمة بعد هذا الانقلاب في الموقف الامريكي، ولا نعرف ما اذا كان السيد الجبير سيكرر في مؤتمراته الصحافية المقبلة مقولته الاثيرة “بأن الاسد سيرحل سواء بالقوة او من خلال الحل السياسي”.

نحن في انتظار المؤتمر الصحافي المقبل للسيد الجبير، على امل ان نجد اجابة شافية لهذا السؤال، ولا نعتقد ان انتظارنا سيطول.

 

عبد الباري عطوان

 

أخبار اليوم