من جرائم أذناب المستعمر: موريتانيا رفضت عرضا عراقيا بحفر نهر صناعي يمد نواكشوط بالماء الصالح للشرب سنة 1980

سبت, 07/25/2015 - 14:35

نهر السنغال الذي عُرف في وثائق المؤرخين العرب والمسلمين بنهر صنهاجة يعتبر هِبَةً إلهية لأربع دول إفريقية هي : غينيا، مالي، السينغال، موريتانيا، ينبع مجراه من هضبة فوتاداجلو في غينيا ويسترخي ماء ضحضاحا على شواطئ المحيط الأطلس المحاذية للحدود الموريتانية السينغالية، بطول يمتد 1800 كلمتر مما يجعله في مرتبة متقدمة في قائمة الانهار الإفريقية الطويلة.

حين وصلت اولى بعثات الاحتلال الفرنسي إلى بلادنا اعتبرت أن مياهه ربما تكون هي المصدر الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في إقامة حياة حضرية مستقرة في منطقة الغرب الموريتاني التي سيقع اختيارها لإقامة عاصمة الدولة الموريتانية انواكشوط، وهو ما أكدته لاحقا دراسة أعدت سنة 1958 توصي بمد شبكة حفر تربط انواكشوط بمياه النهر على مسافة تمتد 200 كلمتر، لأن ذلك هو الخيار الأنسب لتأمين الماء الصالح للشرب لتجمع سكاني ينتظر أن يشهد انفجارا ديمغرافيا سريعا ، بعد أن وضع الرئيس الفرنسي شارل ديكول حجره الأساس في 05 مارس 1958، إلى جانب أن هذا المشروع سيشكل القيام به عملا استثماريا من أهم استراتيجيات النمو الاقتصادي في بلد اتسم بالفقر واقتصاد يعيش أهله على التنمية الحيوانية في صحراء شبه قاحلة. هذا البعد الاستراتيجي للمشروع هو ما جعل السلطات الاستعمارية تتراجع عنه وتستبدله بمشروع آخر هو ( اطْرُوحْ أسْبَتْ) أي وضع سكة حديدية بطول 600 كلمتر في الصحراء تربط بين ( كدية اجل) وشاطئ نواذيبو لنهب الثروة المنجمية الكبيرة المكتشفة في هضاب أراضي زمور ودمجها في صلب النظام الاقتصادي الكولونيالي النازع بطبعه إلى بناء رفاهية أبنائه على حساب أنين وفقر وتخلف دول العالم الثالث ذات المصادر الهائلة من المواد الأولية. كان على العاصمة التي أقيمت في صحراء قاحلة تفتقر لمياه صالحة للشرب أن تعتمد على بحيرة إديني الواقعة على بعد 60 كلمتر شرقيها والمعرضة للنضوب في اي وقت، بعد أن طوى الزمن والنسيان المتعمد ملف مشروع ( آفطوك الساحلي) وتم التعويض النفسي والإعلامي عنه من خلال إنشاء منظمة استثمار نهر السينغال 1972 وتوقيع موريتانيا على بنود اتفاقيتها الخالية من أي التزام بضرورة مساعدتها في الحصول على حاجتها من الماء الشروب لعاصمتها المهددة بالعطش ولتجمعاتها السكانية على امتداد منطقة آفطوط وتجمعات الصيادين على الشاطئ . 
في سنة 1979 قامت الحكومة العراقية بعرض تمويل المشروع وحفر نهر صناعي من مصب نهر السنغال قرب مدينة أَنْدَرْ حتى مدينة نواكشوط، ووقعت مع الحكومة الموريتانية اتفاقا بموجبه ستتولى هي توفير الغلاف المالي اللازم له بعد أن قدرته الدراسة في ذلك الحين ب 60 مليون دولار، كما التزمت إلى جانب ذلك بالإشراف الفني المباشر على المشروع من خلال الهندسة العسكرية العراقية والقيام بغرس مختلف لأشجار المثمرة على ضفافه وتمكين السكان المحليين من خبرات وأدوات الزراعة النهرية الحديثة، وهو ما تم الشروع الفعلي فيه من خلال إقامة منصة انطلاق المشروع عند مصب النهر في مارس 1980، (لا تزال أطلال هذه المنصة قائمة إلى اليوم)، لكن سرعان ما سعت الدوائر التي وَأَدَتْ المشروع في سنوات الاستقلال الأولى إلى وقفه من جديد، وكان لها ما أرادت حين أرسلت  الحكومة الموريتانية وفدا برئاسة "جنك بوبو فربا" محملا برسالة رسمية من السلطات العراقية أن توجه الغلاف المالي المخصص لمشروع آفطوط الساحلي في نسخته الأصلية وليست الحالية، توجهها لتنفيذ مشاريع أخرى ذات نفع (أكثر فائدة)ّّ! واتجه وفد وزاري رفيع المستوى إلى بغداد يحمل جردا يحدد طبيعة وأسماء هذه المشاريع.
هذا سبب من أسباب كثيرة بقيت بموجبها أزمة حصول مليون إنسان على حاجته من الماء الشروب قائمة طيلة أربعة عقود، وبسببه ظلت بلادنا تستورد الأرز والقمح والسكر والحليب من وراء ما وراء المحيطات، وهي التي حباها الله بأراضي زراعية شاسعة ومصادر مياه وفيرة وثروة حيوانية باذخة و في منطقة من العالم توفر أرخص وأوفر يد عاملة هي التي استُغِلَّت أجسادها المكدودة ببشاعة لمصارعة جبال الحديد ونقل ملايين أطنانه خارج بلادنا لصالح شركات النهب العالمية، واستُغلت سواعدها الباحثة عن لقمة عيش كريم في استنزاف شواطئنا من ثروة سمكية عالية الجودة ظلت تقدم على نحو رخيص على أطباق اليابانيين والكوريين والأوربيين في وقت عانى فيه هؤلاء في وطنهم من سوء التغذية وغلاء الأرز التايلندي والقمح الأمريكي القادرة بلادهم على توفيره بسهولة بجودة أعلى وثمن أرخص، لو توفرت فيها إرادة سياسية تمتلك حدا أدنى من الشعور بالمسؤولية.

 

افتتاحية حزب الصواب

أقلام