يحكى عن أحد الملوك أنه خرج ذات مرة فوجد الهدوء التام داخل مملكته، فلما رجع أخبر جلساءه بخوفه من هذا الهدوء الشامل، وبعد أيام من هذه الجولة صدقت توقعاته عندما ثارت عليه رعيته وخلعته. لا أدري هل يشابه إسم هذا الملك أي واحد من الحكام العرب الحاليين، إلا أنه من المؤكد أن ظروفه تماثل ظروفهم جميعا
، فهم عملوا على أن يتملكوا بلادهم بناسها وثرواتها وهوائها ومائها، حتى قيل إن العربي لم يعد يستطيع فتح فاه إلا عند طبيب الأسنان، وهي حقيقة شاهدناها في السابق من خلال سكون القبور وعلو نبرة المنافقين والمتزلفين، حتى بدا المشهد العربي وكأن الجميع فيه، مجرد حفنة من المنافقين والناعقين، بل نعت العرب على أنهم أمة ماتت فيهم روح النخوة والعزة وأصبحوا بلا رجال، فهزأ منهم العدو وشفق عليهم الصديق، إلا أنه عندما اندلعت شرارة نار البوعزيزي وتحولت إلى حريق شامل التهم قصور وعروش طغاة العرب، وعندها انهارت جميع القصور المشيدة على الاستبداد، كما فاجأ المشهد أعتى أجهزة الاستخبارات الوطنية والأجنبية وصار كل حاكم عربي يتلمس رقبته ويتساءل هل هو الذبيحة الموالية؟ فيرد: لا لا فبلدي ليس مثل الآخرين، لكنه يفاجأ بالحقيقة المرة التي لا تقنعه عمليا إلا عندما يشاهد الحشود أمام قصره وهي تتوثب للدخول عليه واقتحام غرف نومه، فعندها فقط يحمل الحاكم العربي ما غلا ثمنه وخف حمله، لينجو من خلال طائرة هاليكوبتر من الموت المحتوم. حقيقة يعكسها اليوم هوان الحكام العرب في نظر شعوبهم وعزة هذه الشعوب وهي تواجه الرصاص الحي بصدورها العارية. إنها ساعة الحساب إذن قد أطلت وبدأ عمليا عصر الشعوب، لذا ليس أمام الساسة مستقبلا إلا أن يدركوا أن الهرم قد أقلب وأصبح الرئيس مجرد موظف يخدم الشعب ويتفانى في إرضائه من خلال خدمة الشأن العام، وصيانة الأوطان، وإلا....فالمصير معروف سلفا. فكلما تعود عليه الحاكم العربي من الألقاب والنياشين والتعظيم والاستئثار بممتلكات البلد جميعه انعكس وأصبح ملكا تالدا للشعوب، التي تذوقت طعم الحرية ولن تتنازل عنها مستقبلا، حتى ولو استخدمت ضدهم جميع أسلحة الدمار الشامل. لماذا انفجر البركان العربي؟ سادتي سيداتي، نحن في واقع قد يكون هو الأكثر إيلاما للنفس وللشعور والوجدان، فالدولة أضحت سجنا للمواطنين والحكام أصبحوا مجرد سجانين ساديين، حكام يدمرون كل عنصر قوة داخل الوطن، يزيلون كل مناعة ضد الخنوع والتبعية والإذلال، لذا يجب أن ندرك بواعث الاكتئاب وعدم الثقة في النفس الحاصلين حاليا وتجاهل القدرات الكامنة في الشعوب وحالة الاغتراب داخل الأوطان بفعل الاستبداد وانعدام العدالة والتكلس وغياب آفاق لبدائل تنهي المعاناة. في موريتانيا مثلا حكامنا يسرقون ثرواتنا وأحلامنا ويتخذون الوطن رهينة لهم، يحرمون الشعب من تحديد خياراته وأولوياته. أمن الحاكم أصبح بديلا عن أمن الوطن والكرسي الرئاسي أضحى نقطة ارتكاز للسلط مجتمعة وحوله تدور فعاليات معارضات دجنت في لاوعيها، ترضى بالفتات ومخترقة أمنيا إلى أخمص قدميها. سياسيو الخمسينات والستينات لا زالوا هم القادة والمرجع، أما الشباب فهو مجرد سقط متاع في نظر أصحاب الشأن، فقط أبناء الذوات هم وحدهم الذين تحتجز الوظائف لهم، حتى قبل أن يتخرجوا، بل تنشأ من أجلهم أحيانا. أما أبناء عامة الشعب فليس لهم إلا التسكع على موائد اللئام أو التنقل عبر الشوارع، لترويج بضاعة للآخر في الأسواق أو للبيع بالمفرد للمارة، أما الثوابت الوطنية فقد تحولت إلى إملاءات غربية، لأن حكامنا المستبدون والجبابرة في الداخل تحولوا إلى عبيد لهذه الدوائر الاستعمارية، فلا خطط للمستقبل، بل اقتصر العمل الحكومي على المديين: القريب والمتوسط، الدين يقدمان ضمن عنتريات الخطاب الرسمي الحالي، بل لا نجد اليوم سوى المدى القصير الذي يحكم الالتزامات الرسمية الراهنة: استخفافا بعقول الناس، أو قصورا في التصور (الكهرباء – التخطيط – الإصلاح التربوي – تشغيل الشباب... الخ) كلها التزامات للإنجاز قبل نهاية السنة الماضية أو منتصف الحالية، فالإصلاح مجرد شعار يتمركز حول الهوامش وغاب عنه الاهتمام بواقع وهموم الناس الحقيقيين. إنه عالم صنعته الأجهزة الرسمية وراهنت على ترسيخه وهو واقع متخيل لا يعكس بالضرورة حقيقة الشعب الموريتاني ولا يسبر أغواره النفسية ولا الاجتماعية والإنسانية. فإذا كانت كل هذه الرهانات تنطلق من أن الشعب الموريتاني مسالم بطبعه وينفر من العنف والقتل والاقتتال، فإنه رغم كل ذلك، فنحن اليوم أمام إنسان له مطالب في الحياة وله مشاعر وحاجات مادية ومعنوية، يعشق الحرية ومستعد للتضحية من أجل العدالة والمساواة والمشاركة في الحياة العامة أو الخاصة. فعندما تقدم الحكومات المتعاقبة دولة موريتانيا بوصفها أمة مثل بقية أمم الأرض، تمتلك جميع مقومات الأمة وقادرة على توفير الأمن لمواطنيها وتقديم التعليم والدواء لهم، دولة تضمن ازدهار مواطنيها وتحقيق العدالة والمساواة لجميع من يسكنها، فنحن إذن أمام كذبة ووهم مل سماعهما الناس وزرعا من اليأس أكثر مما خلقا من ثقة في المستقبل.. أليست موريتانيا اليوم مجرد حيز جغرافي تسكنه مجموعة فاقدة للثقة في حاضرها قبل مستقبلها وتتحكم فيها مافيا اقتصادية وسياسية وأمنية متحالفة مع الحاكم وأسرته وأقرب أقربائه؟ ألم تختفي من قاموسنا العملي مفاهيم مثل: الوطنية والعدالة والمساواة والتضحية لصالح الوطن والمواطن؟ ما هو موقع ناهبي المال العام ومزوري الانتخابات ومحتكري امتيازات الدولة ومقدراتها، الذين يظلمون الناس ويعيثون في الأرض فسادا من الإعراب، داخل الوسط السياسي والاجتماعي؟ أليست موريتانيا اليوم مجرد غنيمة لقلة قبلية وانتفاعية لا تمثل 0.0001% من مجموع السكان؟ هل يطمئن المواطن العادي اليوم على أن إبنه عندما يترشح لمسابقة وطنية، هل سيحصل على فرز عادل في "المسابقات الوطنية"؟، وما محل غالبية المواطنين من الإعراب، عندما تقتسم مغانم البلد أو تبدو الحاجة ماسة من أجل التأثير على توجهات الحكومات أو السياسات المتبعة؟ هل لنا سياسات تهتم بمشكلات الشباب وهمومه الحقيقية، بوصفه شريحة تمثل غالبية الشعب؟ إن هذا القصور وهذه الاختلالات العمودية والأفقية عمقت لدينا المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعززت انتشارها أفقيا وعموديا داخل الإدارة والمجتمع والإنسان. فالعاصمة بلا مجاري وبلا خدمات، وتعيش أحياء كثيرة منها بلا كهرباء وبلا ماء في معظمها وبلا طرق داخل الأحياء، كما غابت عن مدننا الحدائق العامة وأماكن الفسحة، وهو ما حرمنا من مزايا نظافة المكان وجماليته والاستمتاع بأماكن الترفيه والنزهة العائلية. الوحدة الوطنية: شماعة للتمويه الولادة القيصرية للدولة الموريتانية والرعاية الاستعمارية لهذا المولود منذ أن كان جنينا في أرشيف الإدارة الاستعمارية، شوها الصورة وأضفيا نوعا من الغموض والمسخ بالنسبة لهذا المولود أمام الأنا والآخر، فتعززت هذه الصورة بفعل الواقع الانقسامي للمجتمع الموريتاني وضمور الإمكانات والوسائل، ورغم ذلك فإن المواطنين حاولوا تدارك هذا القصور الخلقي واندفعوا في نضالهم من أجل تكريس واقع تقدمي اشتراكي تارة أو عروبي – إسلامي تارة أخرى، وبعد خمسين سنة من هذه الرحلة السيزيفية بالنسبة للمواطن والإنجازات الجبارة بالنسبة للأنظمة المتعاقبة، نجد غيابا في التنمية وتركيزا على عوامل التفجر داخل المجتمع، لغايات في نفوس اليعاقبة، لذا نال موضوع الوحدة الوطنية نصيب الأسد في النقاشات السياسية والتبريرات الرسمية، بوصفها مادة دسمة لصراعات النخب، وقابلة للاستغلال من طرف الدوائر الغربية والصهيونية، وتداخلت مع مواضيع مفجرة، مثل: الهوية – الانتماء الجهوي للدولة – طبيعة الانتماء للوطن – تحديد موجبات المواطنة... الخ فاستغلت لذات الغرض أدوات للتنكيل وللانتقام وللتأثير، مثل: حقوق الإنسان وطبيعة المجتمع الموريتاني وكينونة كل مكونة منه على حدة والحكم على المواطن بنفس مواصفات النظام والعكس صحيح. ... والحصيلة؟ رغم الثمن الباهظ الذي دفعته البلاد في سمعتها الدولية بحق أو بباطل ورغم التشكيك في الواقع وفي النوايا الداخلية، ورغم ضياع فرص كثيرة سنحت وتبديد موارد معتبرة كانت لو سخرت جميعها للصالح العام لأصبح البلد اليوم في وضع مغاير، رغم هدا كله، إلا أننا ربحنا في النهاية حقيقة تتمثل في كون مكونات الشعب الموريتاني اليوم بدأت تدرك أضرار الإلغاء والتحالف مع الأجنبي على حساب الوطن وجاذبية التفاهم المشترك بوصفه الخيار الأقل تكلفة والأكثر مردودية. من هنا يمكن فهم وتفهم تنازل الحركات القومية العروبية عن المطالب الفورية السابقة واستبدالها بأخرى تدريجية وأكثر واقعية يرضى عنها الشريك في الوطن، بغض النظر عن قوميته أو فئته، والاستعداد للمشاركة ضمن وطن متعدد الأعراق والفئات، ومتساو في الحقوق والواجبات. كما أن وصول حركة "افلام" إلى طريق مسدود وما عرّضت له المجموعات الزنجية من نبذ في الداخل وصل إلى حد شعورها بالوقوف على أرض متحركة.. تهتز تحت أقدامها وتلغي جميع مكاسبها السابقة، كل ذلك جعلها تغير من خطابها وتدرك مدى عجزها عن الحسم لوحدها داخل هذا البلد، لذا نجح أولئك الذين آمنوا بتعايش مشترك وفشل دعاة القطيعة والإلغاء. وبالعودة إلى تأسيس حزب العمل من أجل التغيير AC وحقيقة حزب التحالف الشعبي التقدمي اليوم، فإنه يمكن لنا أن نفهم طبيعة حجم التحول في الممارسة السياسية وفهم الواقع بالنسبة لـ"الحر" ولزعيمه التاريخي، سواء على مستوى الخطاب أو بالنسبة لهوية هذه الشريحة، فحجم تحالفاتها الوطنية اليوم وعلاقاتها الإقليمية الفعالة يعكسان حجم المكاسب ومستوى الفاعلية بالنسبة لهذه الشريحة والتي لم تحصل عليها إلا بعد تبني استراتيجية التعايش المشترك، لذا ينظر اليوم إلى الأشخاص المندفعين وراء خطاب التوتير والتخوين والتمركز حول الذات الضيقة، بوصفهم أشخاصا يغردون خارج السرب ويعكسون عمليا كم هم معزولون داخل شريحتهم. وإذا كان الخطاب الإسلامي يعتبر اليوم هو الأكثر جاذبية والأشد تغلغلا وفاعلية، تتزاحم المناكب أمام أي لافتة ترفعه وتتوج أية شخصية تتبناه، فإننا نجد –رغم هذا العنفوان- أن الإسلاميين اليوم في موريتانيا قد طوروا من خطابهم وأعلنوا صراحة أن حزبهم لا يحتكر الدين وأنه مجرد حزب سياسي –مثل بقية الأحزاب- مفتوحا أمام جميع المواطنين الموريتانيين، دون استثناء أو قيود. أمام هذا الواقع المعاش نرى أنه قد سحبت عمليا من الأنظمة السياسية الحالي والمستقبلية ورقة الوحدة الوطنية، فالجميع أصبحوا شركاء في المغانم وفي المظالم، فيهم الفقير والمعدم والغني المتخم وفي صفوفهم المثقف والجاهل ومنهم الحضري والبدوي، النازح والصامد في بيئته ومنطقة سكناه التقليدية –مع استثناء بالنسبة لشريحة لحراطين لأسباب موضوعية معروفة. هل نحن أمام واقع ميئوس منه؟ عندما نستمع إلى الخطاب الرسمي، سنجد تأويلا يصل حد التلويح بالحروب الأهلية وتضخيما لمخاوف الفتنة، إذا تجرأ البعض ومس الواقع "الهش" الحالي، وخاصة عندما يطلب من الشعب أن يتحرك ضد الطغاة والناهبين ويدفع لتكسير قيود الذل، التي فرضتها الأجهزة الأمنية والأنظمة المتعاقبة، كقدر لا مفر منه وأسلوب لا يصلح للبلد غيره. وبغض النظر عن الخوض في حقيقة الطرف الذي كان وراء جميع الأحداث العرقية التي شهدتها البلاد عبر مسيرتها المتعرجة والتي لم تعرف لها مثيلا قبل ظهور الدولة الموريتانية- إذا تجاوزنا الطابع الانقسامي لمجتمعنا في السابق، (هنا نستحضر دور وزير داخلية مصر في انفجار الكنيسة ليلة رأس السنة الماضية، واتهامه لطرف ثالث بالمسؤولية.) وهنا نلاحظ أن الدولة الموريتانية لم تقدم عبر تاريخها حلا لهذه المعضلة، سوى المسكنات أو الحلول الترقيعية، والنتيجة أنه أصبح الوطن بلا شعب يدافع عنه ويضحي من أجله، فهو في نظر الكثيرين وطن المنتفعين منه والناهبين له، لذا أصبح لكل فئة دارها ولكل قبيلة أرضها التي تخصها..واقع أربك المخلصين وبدا الوضع الموريتاني وكأنه حالة ميئوسا منها وبلا علاج مقبول، ويستحيل أن نجد له وصفة قابلة للتطبيق محليا من أجل تجاوز هذا الواقع، لذا ليس أمامنا كشعب –ضمن هذه الرؤية- إلا أن نعيش زمنا دائريا وبالتالي لا يمكن أن يخلصنا من واقعنا المأزوم هذا سوى البيان رقم واحد. سكونية تجد لها مسوغا اجتماعيا، يتمثل في كون الإنسان عندنا يولد وهو يحمل قيمته، وليس مهما أن يتصف بأي صفة، فهو في النهاية إما مجرد ابن فلان أو هو في القمة لأنه ابن فلان أو علان، وهنا يتوقف الزمن ويتخندق التاريخ وتضيع الفاعلية أو أي إمكانية للإبداع والتضحية والتفوق، لذا وبفعل هذا الواقع فنحن اليوم نتبارى في جلد الذات وتحقير العنصر وفقدان الثقة في الوطن وفي الحاضر والمستقبل. واقع يحرم البلد من أي إمكانية للتطور وتحقيق حياة كريمة للمواطن كإنسان يستحق أن يعيش كريما وله مكانة تحت السماء وفوق الأرض. البدائل الممكنة تلك هي رؤاهم وهذه هي الحقيقة المرة التي نعيشها اليوم، لكن عندما ننطلق من أننا جميعا بشر نمتلك جميع الخصائص التي يمتلكها كل إنسان في هذا الكون فإننا سندرك أن هذا الواقع الذي نعيشه بحواسنا وغرائزنا دون عقولنا هو واقع افتراضي وعندما ندرك أن لا وجود لعرق نقي في هذا الوجود، بل نحن جماعة بشرية تدين بالإسلام وتستوطن رقعة من الأرض، عاشت فيها قرونا طويلة بتناغم على طريقتها وصل حد الذوبان المتبادل.. إلى أن جاءنا المستعمر وفعل بنا فعلته التي لازالت تتحكم في الواقع وفي النفوس. فكل واحد منا يريد أفضل تعليم لأبنائه وعلاج له ولأسرته ودخلا محترما يوفر له حياة كريمة في وطنه وعدالة تنصفه وسلطة عادلة تحترم مسؤوليتها اتجاه الوطن والمواطن، خاضعة لرقابة شعبها، فعندما تصبح هده الجوانب هي الأولوية فستذوب القبلية والإثنية والفئوية سياسيا على الأقل وسندرك جميعا أنها آليات مهلكة وغير فعالة عند الضرورة. مطالب يستحيل الوصول إليها إلا من خلال ترميم الواقع ورفع المظالم والتوحد ضمن مطالب وطنية لافئوية وإنجازات تعم ولا تخص ومكاسب نفعها شامل وليس فردي. فقيم المواطنة بديل ناجع عن الولاء للقبيلة أو للجهة أو للعرق أو الفئة، وعندها نصبح شعبا داخل دولة نتفق على صيغة للحكم - وإن بالنسبة الانتخابية - تنهي الجدل حول صيغة الحكم، لتختفي المغالبة بالأرقام الوهمية أو النسب المئوية التي قد تستجيب للأماني، لكنها قد لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الواقع. فالحق أحق أن يتبع فمن عدل أمن ومن ظلم خاف وارتعد، فلن تستقيم سفينتا إلا بالعدل ولن يتحجم المرجفون إلا بإعطاء كل ذي حق حقه وتختفي روح الجشع والإلغاء اللذين يغذيان الخطاب الرسمي والفئوي والعنصري والذي لا يسمح للناس بالاستماع إلى بعضهم البعض، فنحن بعد نصف قرن من التيه مجبرون على الاعتراف المتبادل والاحتكام إلى دولة القانون والمؤسسات.. وإلا فليس أمامنا سوي الصراخ- مثل الآخرين- ونقول بصوت واحد: الشعب يريد الحرية ويرفض الاستبداد وخطاب الفتنة والتسيير الفردي للبلد، والشعب يريد دولة المؤسسات وليس الأفراد والشعب يريد أن يأكل ويسكن والشعب يريد اختفاء الوجوه الممقوتة والشعب يريد أن يتقدم الخبراء الركب وأن يختفي أويتراجع علي الأقل الطفيليون والمنافقون واللا وطنيون، الشعب يريد مدنا مثل بقية العالم والشعب يريد المساواة والعدالة للجميع والشعب يريد اختفاء هيمنة متنفدي القبائل التي تحتكر السلطة والثروة والسلاح والمقدرات.. والتي سيطرت علي كل شيء في هدا الوطن الذي لا يقبلون فيه أية مشاركة، لأنهم تعودوا علي الاستئثار بكل شيء فيه .. وعندها سيصبح صوت الشعب مسموعا وسيتحول ولاء البرلمان إلى الشعب بدلا من خدمة الحاكم وسيعتمد المسؤول علي كفاءته ونزاهته لا قبيلته وتزلفه. وعندها سوف لن تذهب أصواتنا إلا باتجاه من يخدم مصالحنا جميعا وستصرف خيرات بلدنا في مشاريع عامة يستفيد منها الجميع وستصبح سياسات بلدنا معبرة عن ما نريده نحن لا ما يريده لنا الآخر. فهذا هو خيار الشعب وهذا ما يجب أن نتوحد من أجله.. وإلا فإن البديل معروف سلفا ومرارة حصيلته تجرعها الجميع داخليا وخارجيا.. إنه البيان رقم واحد. محمد المختار محمد فال كاتب صحفي