طريقة التنفيذ كما يرويها الضابط: المختار ولد السالك:
عندما وصلت إلى ازويرات قادما من معركة عسكرية في "أم ادريكه" نهاية شهر يونيو أو بداية شهر يوليو، أبلغت بتحويلي إلى انواكشوط، وبالتحديد إلى المنطقة العسكرية السادسة، وبعد وصولي بيوم واحد تناولت العشاء في منزل قائد الأركان: المصطفى ولد محمد السالك، الذي تربطني به علاقات متعددة وكان بالمنزل جدو ولد السالك وأحمدو ولد عبد الله ومحمد خونا ولد هيداله،
وبعد العشاء أخذني جدو وأحمدو ولد عبد الله جانبا وأخبراني بأني حولت إلى انواكشوط لهدف محدد هو: اعتقال الرئيس، وأن هناك وحدات في المنطقة العسكرية السادسة، ستوضع تحت تصرفي لإنجاز المهمة، وسيسلمها لي أحمدو ولد عبد الله لاحقا.
فباشرت بالتهييء لمهمتي، لكنني لم أرتح "لمجريات الأمور"، دون أن أمتلك أسبابا ملموسة لهذا الشعور.
وقبل التنفيذ -يقول المختار ولد السالك- استلمت الوحدات وقمت بتجهيزها ووضعتها عند منطقة البث الإذاعي غرب انواكشوط وبقيت هناك مدة أيام.
وكانت الخطة تقضي بأن يعتقل الرئيس نهارا أثناء اجتماع المكتب السياسي لحزب الشعب، وعندما اتصلت بأحمدو أطلب منه الوحدات، رد علي بأنه بعث في طلبها من "اجريده" وأنهم سيلتحقون بي، كما طلب مني تقديم الخطة كتابيا، فكتبتها وسلمتها له يدا بيد، فأخبرني بأن الوحدات قد وصلت وأنها موجودة بالمعرض وسيسلمها لي لاحقا وبسرعة.
ويواصل المختار ولد السالك روايته للقصة قائلا: عند الساعة الثانية عشرة زوالا أتيته فأخبرني بأنني يجب أن أنتظر حتى المساء، وبعد عودتنا من المقيل دخلت عليه مكتبه بمجرد دخوله فيه وقلت له: إن اجتماع الرئيس بالمكتب السياسي سينتهي ما لم نبادر بالتحرك فورا، فرد علي بأنه ذاهب إلى قائد الأركان الذي طلبه، ولم يعد إلى مكتبه إلا الساعة السادسة مساء وعندها دخلت عليه وسألته ما الأمر؟
فرد علي قائلا: التنفيذ قد أجل، فقلت له: أيمكن تأجيل عمل كهذا؟ فالمنطقة العسكرية الأولى (التي يقودها جدو ولد السالك) قد تحركت من قواعدها منذ 48 ساعة باتجاه العاصمة وعملية وصولها ورجوعها هي عملية ملفتة للانتباه، بالإضافة إلى خطورة اكتشاف الأمر، وسألته من أجَّل التنفيذ؟ فرد قائلا: إن قائد الأركان هو من قام بالتأجيل، فلم أرتح لما حصل وقلت له إن هذا الأسلوب خطير الآن، وستكون له أخطار تاريخية وخرجت من عنده، فتبعني وأعطاني جهاز اتصال، وقال لي هذا للاتصال بجدو، وفي تلك اللحظة قام أحمدو بالاتصال بجدو وأخبره -بأسلوب مموه- بأن العملية قد أجلت، فسأله جدو من أجلها؟ فرد عليه أحمدو قائلا: لقد ارتأينا تأجيلها، فرد عليه جدو بأنه هو شخصيا لن يؤجلها وانتهى اتصالهما.
وفي تلك اللحظة قام أحمدو باستدعاء الوحدات العسكرية المتواجدة بالمعرض والتي كان من المقرر أن يسلمها لي وأدخلها في المنطقة العسكرية السادسة ونادى على قائد هذه الوحدات وهو الملازم محمد سعيد ولد أحمد ولد إبراهيم، وشدد عليه بأنه يجب أن لا تتحرك تلك الوحدات إلا بأمر منه.
وقد كان هذا الملازم صديقا مقربا لي وكان على علم بالانقلاب –لكنني لا أدري هل كان على علم بأن أحمدو شريكا فيه أم لا؟ فطلبت منه أن يتحرك معي أو أن يعطيني وحداته، فرد علي بأنه لا يستطيع فعل أي منهما.
فخرجت من عنده وكان الظلام قد حل، وكنت مصمما على أن لا أسلم الوحدات التي عندي، مهما كان الثمن، فاتجهت إلى منزل المصطفى ولد محمد السالك وعندما دخلت عليه وجدت عنده مجموعة من الضباط تتألف من ثلاثة أو أربعة عناصر، كان من بينهم مولاي هاشم وجبريل ولد عبد الله، فعقدنا اجتماعا مستعجلا وسألته لماذا تم التأجيل؟ فرد علي المصطفى بأنه هو شخصيا لم يؤجل التنفيذ، فقلت له لقد بات التأجيل مستحيلا، لأن المنطقة العسكرية الأولى في طريقها إلى انواكشوط وهناك استحالة أن تأتي وتعود هكذا دون القيام بأي عمل، كما أننا نخشى أن يتسرب الخبر إلى جماعة الرئيس وبالتالي فإن عملية التأجيل فيها مخاطر كبيرة، لذا لن نقبل التأجيل لأنه لم يعد ممكنا. فتساءلنا ما العمل؟ فأجبتهم بأن اعتقال "الشايب" (الرئيس المختار) أتكفل به أنا شخصيا، فسأل المصطفى هل لديك من القوات ما يمكنك من اعتقاله؟ فأجبته بنعم، فقال لي: إذن القضية منتهية. وسألني السؤال الذي يطرح عادة على الضابط عندما يكلف بمهمة: ماذا ينقصك؟ فقلت له ينقصني شخص لديه خبرة بالقصر، فرد مولاي هاشم قائلا: ها أندا أعرف المكان جيدا فقلت له: موعدنا منزلك (منزل مولاي هاشم) الساعة التاسعة مساء يوم غد وتفرقنا لكي لا ينكشف أمرنا، وخرجت وصرت أتنقل بين وحداتي في محطة البث وبين المطار، وعند الساعة العاشرة ليلا طلبني المصطفى ولد محمد السالك، وعندما أتيته أخبرني أنه وصلته أنباء تفيد بوجود طائرتين مغربيتين بمطار انواذيبو لم تعرف حقيقتهما بعد، لذا يجب أن نأخذ حذرنا، لكن تبين لاحقا أنهما تحملان فواكه أو سمك فقط.
خرجت من عنده وبدأت أحضر وحداتي للمهمة ولم أنم تلك الليلة ولا اليوم الموالي الذي وصل فيه الملازم سيدي محمد ولد الشيخ أحمد مبعوثا من عند جدو ولد السالك، محملا برسالة إلى المصطفى وأحمدو، تتضمن ثلاث اقتراحات للتنفيذ، لكن المبعوث وجدنا قد اتفقنا على الخطة البديلة.
أما أحمدو ولد عبد الله فقد توجه بعد حديثه معي في مكتبه إلى المذرذرة حيث قضى عطلة نهاية الأسبوع مع حاكمها السيد يحي ولد محمد ولد امحمد.
وقد أبلغني رسول جدو أنه يريد الحديث معي، وطلب مني أن أتصل به مساء من خلال جهاز الاتصال الذي حمله إلي سيدي محمد هذا، وطلب مني أن تكون الأسماء مستعارة، من خلال "أزوان".
وفي المساء توجهت إلى سيدي محمد ولد الشيخ أحمد وأعطاني جهاز الاتصال الذي أرسل لي جدو فتوجهت إلى منطقة غرب المستشفى الوطني وخاطبت جدو باسم مستعار هو "الفائز"، فأجابني باسم مستعار هو "الحر"، فأخبرته بأن الأحوال عادية وأن الأمور تجري بشكل طبيعي وقلت له: "إن ذلك الشيء الموجود عند الخيام سيتم بشكل طبيعي".
وعند الساعة التاسعة ذهبت إلى منزل مولاي هاشم -حسب الاتفاق- فلم أجده في منزله، وكررت التردد على المنزل مرات ومرات في الساعة العاشرة والحادية عشرة ومنتصف الليل والواحدة صباحا فلم أجده، فعندها توجهت إلى قيادة الدرك حيث يسكن محمد محمود ولد الديه وأيقظته وأخبرته بأن تلك الليلة هي ليلة التنفيذ وأخبرته بأنني لم أجد مولاي هاشم، لذا طلبت منه أن يذهب معي، فرد على الفور بأنه مستعد وقام بلبس ثيابه العسكرية، فأخبرته بأننا لا نرغب في مواجهة عسكرية مع الدرك الموجودين بالقصر، وقلت له بأنني لهذا السبب قد جئته لكي يذهب معي، فسألني هل تريد أن أذهب معك حالا؟ فأجبته بأن الوقت لا زال مبكرا وخرجت من عنده وترددت على منزل مولاي هاشم مرات عديدة، لكنني وجدته في منزله عند الساعة الرابعة صباحا، فأشعلت عليه الضوء ووجدته صاحيا وخاطبني فورا هذا فلان؟ فقلت له: نعم، لكن هذه ليست نومة الأبطال الذين ينوون القيام بانقلاب، فقال لي: تفضل واجلس، فقلت له لقد حانت ساعة التنفيذ ولم يعد لدينا وقتا نضيعه، فلبس ثيابه العسكرية وخرج معي وتوجهنا إلى الوحدات التابعة لي في منطقة البث الإذاعي، وأعطيت لكل واحد منهم مهمته بوضوح وحددت لكل واحد منهم الجهة التي يجب أن يتوجه إليها من القصر، وأخبرتهم بحقيقة الموقف، وقلت لهم: إن الجيش قد قرر الاستيلاء على السلطة وأنهم كوحدة قد أسندت إليهم مهمة اعتقال الرئيس، حينها رد علي أحد الجنود قائلا: هذا الأمر غير واضح، فقلت له ابق هنا وأخذت مساعده مكانه.
فأخذت المدرعات واصطحبتها معي لسد الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي وكانت معي مدفعية ثقيلة وحوالي أربعمائة عنصر تقريبا.
وأخذت معي كذلك 13 أو 14 عنصر مختارين، يحمل كل واحد منهم رشاشا خفيفا وأعطيتهم الأوامر بأن يفعلوا مثلما أفعل، فإذا مشيت يمشون وإذا جلست يفعلوا مثل ذلك، وعند وصولنا إلى القصر الرئاسي قام ولد بوكي –وهو خبير في اللاسلكي- بمهمة قطع الاتصالات الدولية عن القصر، لكي لا يتمكن الرئيس من الاتصال بالمغرب.
وكانت معي كذلك ثلاث أو أربع سيارات، وعند وصولنا إلى الباب، نزل مولاي هاشم وخاطب ضابط الصف الذي كان يتولى قيادة المجموعة قائلا: افتح الباب، فرد عليه ضابط الصف بقوله: أهذا أنت يا مولاي هاشم لابسا زيك العسكري في هذا الوقت؟ فرد عليه مولاي هاشم قائلا: افتح، هناك حركة، فرد عليه قائد المجموعة: لا لن أفتح.
فعندها قفزت من السيارة ووضعت خزان الذخيرة في البندقية وقلت له نحن لم نأت لنستشيرك فيما سنفعل وأمرته بأن يفتح الباب وإلا فإنه سيموت، فصار يحملق فيَّ لبعض الوقت، عندها تدخل مساعده قائلا: "مون آدجدانه شيف سأفتح" فرد عليه ضابط الصف قائلا: افتح، وعندها اندفعنا جميعا نركض باتجاه منزل الرئيس، وفي الطريق اصطدمنا بأحد الحراس الذي فوجئ بنا ونحن نركض باتجاهه فأمرنا بالوقوف وإلا فإنه سيطلق النار علينا، فتوقفت وتجاوزني الجنود المصاحبين لي قليلا وأحاطوا بي، لكنني بقيت في مواجهته وصوبوا بنادقهم نحوه وقالوا له إياك أن تطلق النار وإلا فإنك ستموت.
وكان هناك ضوء يفصل بيننا وكلانا كان يرى الآخر بوضوح، فقلت له: إنني لن أتوقف، فلتفعل ما بدا لك، وعندما صرت تحت الضوء، لاحظ أنني ضابط فقال لي: أنا لم أعرفك ومد إلي بندقيته فقلت له ألست عسكريا؟ ألست دركيا؟ قال نعم، فقلت له إذن سر مع زملائك وسألته عمن معه، فأجاب: معي أربعة حراس، فقلت له ناد عليهم، فحضروا كلهم وأمرتهم بالذهاب مع زملائهم، وعندها رجعت إلى مولاي هاشم فوجدته لا زال بالباب وسألته ماذا تفعل هنا؟ فرد علي بأنه يعمل على تهدئة الوضع، فقلت له دعك من هذا كله، وأخذت بيده وسرنا باتجاه منزل الرئيس، واصطحبنا العسكريين معنا، فدق مولاي هاشم باب منزل الرئيس، ففتح لنا دركيا الباب وسأله مولاي هاشم، هل الرئيس لا زال موجودا هنا؟ فأجاب الدركي بنعم، فدخلنا وأشعل مولاي هاشم الضوء فصعدنا السلم، وأثناء صعودنا انطفأ الضوء، فتراجع مولاي هاشم، فسألته مابك؟ فرد بأنه يريد إشعال الضوء، لكنه اشتعل من جديد خلال حديثنا فوجدني أبتسم، فقال لي ماذا يضحكك؟ فقلت له سر بنا، وعندها أخبرني أن للرئيس غرفتي نوم، ففتحنا الأولى فلم نجد فيها أحدا، وفتحنا الثانية فوجدنا بها آثار شخص كان موجودا لكن الغرفة فارغة، فشاهدنا ضوءا من خلال زجاج لأحد الأبواب، عرفنا لاحقا أنه المرحاض، فقمنا بدق الباب، فلم يجبنا أحد في المرة الأولى، وفي المرة الثانية قال لنا نعم وهو يخرج، وأتبعها بكلمة من هناك؟ وكان حديثه كله بالفرنسية، قدمنا له التحية وقلنا له: "إن الجيش قد نزع منك الثقة"، فنظر للحظات، وأعطيته فرصة لردود أفعاله، وعندها خاطبته قائلا: السيد الرئيس سنذهب وإذا كنتم تريدون أخذ شيء من الغرفة فلتأخذوه، فنزع نعلي الحمام وأخذ نعلا تقليديا مكانهما، وأخذ لثاما من "توبيت" كان على السرير وكان يلبس دراعة خضراء من "الشكه" وقميصا أبيض، كما أنه كان رابط الجأش، وسرنا وراءه باحترام.
وعند وصولنا إلى سيارة القيادة التي كانت عندي –وهي من نوع لاندروفير مكشوفة- فتحت له باب المقعد الأمامي وجلست خلفه، عندها اتصلت بالقيادة وقلت لها إنهم يجب أن يتحركوا وأخبرتهم بأنني أخذت "الطرد الكبير"، فردوا علي: بهذه السرعة؟! فقلت: نعم لقد تم كل شيء.
فقد استغرقت العملية كلها ثمان دقائق فقط، وأثناء مرورنا أمام قيادة الدرك، كان هناك مطر خفيف فنزلت علي قطرة من الماء لم أدر مصدرها، فخفت أن يكون الرجل قد تأثر من الوضعية التي هو فيها فوضعت يدي على كتفه وقلت له: السيد الرئيس اطمئنوا فلن تجدوا سوى الخير إن شاء الله، فرد علي بالفرنسية بكلام، لم أفهم منه سوى كلمة: الله.
وقد تبعتني الوحدات العسكرية التابعة لي، وعندما وصلنا إلى الهندسة العسكرية فتحنا له مكتب قائد الهندسة العسكرية: الرائد "آتيي همات" الذي وجدناه في انتظارنا فقدمت للرئيس مقعدا وثيرا، فجلس عليه وبعد فترة وجيزة طلبتني القيادة العامة، وقبل خروجي أخبرته بأنني ذاهب، وأنه إذا كانت لديه طلبات فليقلها لي، لأنه في غيابي قد لا تلبى مطالبه، فرد علي بالفرنسية: إنني ضيف غير ثقيل!".
وأتذكر أنني عندما وصلت إلى الهندسة العسكرية اتصلت بجدو فوجدته قد وصل إلى منطقة "آزفال" فقلت له: إن كل شيء قد انتهى.
وعندما وصلت إلى القيادة العامة وجدت الضابط الفرنسي الذي خاطبني البارحة أثناء حديثي مع جدو، -والذي كان يشغل مساعد قائد أركان للعمليات- والذي طلب مني تحديد مكاني، بحجة أنه يسمعني بوضوح وكنت قد قلت له: إنني أقف على مكان مرتفع، لذا فأنت تسمعني بوضوح، فرد علي قائلا: حدد لي موقعك، فقلت له المواقع لا تحدد أثناء الحرب، لكن اسأل قيادتي ستحدد لك مكاني، ففطن أن في الأمر شيئا ما.
وعندما وجدته في الممر قلت له السيد الرئيس صباح الخير، هل أنت بخير؟
فرد علي قائلا: من يسأل عن حاله اليوم هم أنتم، وقال لي: انتظر حتى أقول لك شيئا، فقلت له تفضل، فقال لي: أتتذكر مقيلنا في ازويرات، فقلت له: نعم، فقال لي: يومها عرفت أنك رجل خطير، فقلت له هذا كلام تجاوزته الأحداث، ودخلت على قائد الأركان المصطفى في مكتبه فوجدت أغلب الجماعة كانوا في مهام خارج القيادة، ولما رجعت إلى الهندسة العسكرية توجهت إلى الرئيس، وطلبت منه -بعد أن صلى الصبح- التوجه إلى منزل مجاور وحملته في السيارة بنفس الطريقة التي خرجنا بها من القصر الرئاسي ووضعته فيه.
وعندما وصل جدو إلى انواكشوط حوالي الساعة الحادية عشر صباحا ذهبت إليه في القيادة وسلمت عليه.
استكمال السيطرة، ووضع اللمسات الأخيرة على تشكيلة اللجنة والحكومة
أثناء القيام بعملية السيطرة وترتيب الأوضاع بعد اعتقال الرئيس، اتصل قائد الأركان المصطفى ولد محمد السالك بمدير الأمن آنذاك السيد يحي ولد عبدي، ليطلب منه إعطاء الأوامر لقوات الأمن، لكي تضطلع بمهمتها، لكنه وجده غائبا، وكان نائبه المفوض "لي" لاحظ أن هاتف المدير يرن باستمرار في غيابه، فأخذه فإذا بالمصطفى ولد محمد السالك على الخط، وكانت بينهما معرفة سابقة عندما كان المصطفى واليا على لبراكنه والمفوض "لي" يعمل تحت إمرته، فأخبره بأن المدير غير موجود، فأمره المصطفى بإعطاء الأوامر المطلوبة، وهو ما قام به على الفور، حيث أصدر أوامره لقوات الأمن بتنفيذ ما طلب منه، فكان غياب المدير فرصة ليصبح نائبه بالصدفة عضوا في اللجنة العسكرية.
ويروي الأستاذ أحمد الوافي أنه عند الخامسة صباحا اتصل به سيد أحمد ولد ابنيجاره وأخبره بأن كل شيء قد أنجز، وأمره بالتوجه إلى الإذاعة لإذاعة البيان.
فتوجه إليها صحبة مولاي هاشم فوجدها موصدة الأبواب، فبحثوا عن شخص يفتحها لهم، فقبل أحد الضباط بالقيام بفتحها عن طريق تكسير الأبواب، لكنهم لم يعرفوا طريقة تشغيلها، فبعثوا في طلب الحرسي "مَمَيْ" الذي كان يتولى مسؤولية حراسة الإذاعة، بالإضافة إلي الفرقة الموسيقية التابعة للحرس التي كان "مَمَيْ" أيضا هو الرجل الثاني فيها.
وعندما حضر "مَمَيْ" أخذ لهم الأشرطة العسكرية، فكان أول شريط أذيع هو: "النشيد الفرنسي"، دون معرفة منهم بحقيقته.
وبعد ذلك أذيع البيان بالعربية بصوت خطري ولد جدو الذي كان آنذاك ناطقا باسم الحكومة، وتلاه بالفرنسية محمد محمود ولد الديه.
وقد تضمن البيان ثلاث نقاط، تعهد القادة الجدد بتنفيذها، وهي:
1- إيقاف الحرب.
2- إصلاح الوضع الاقتصادي.
3- وضع أسس لديمقراطية سليمة.
وحوالي الساعة التاسعة صباحا فتح المهندس إسماعيل ولد أعمر قاعة الاجتماعات بمكتبه بشركة اسنيم في انواكشوط، وتوافد إلى المكان قادة الانقلاب المدنيين وصار كل منهم يستدعي شخصيات أخرى يتوقع أنها مساندة، وهكذا توافدت الأطر المساندة والمستبشرة بالتغيير، حيث اجتمعوا تحت رئاسة شيخنا ولد محمد لقظف. وحوالي الساعة الواحدة زوالا حرروا ملتمس تأييد للتغيير من أجل إعطائه سندا شعبيا، كما حضر في نفس الوقت قائد الانقلاب المصطفى ولد محمد السالك، الذي ألقى كلمة بالمناسبة شرح خلالها دوافع التغيير وأسبابه الموضوعية.
وعندما أذيع ملتمس التأييد ومعه أسماء الحضور الذين وصلوا حوالي 100 إطار، توالت ملتمسات التأييد والمساندة وخرجت المظاهرات الشعبية المؤيدة والمساندة في اليوم الموالي، حيث استقبلها أعضاء اللجنة العسكرية بالقصر الرئاسي.
ومن المفارقات التي حدثت يوم 10 يوليو، أن أحد الوزراء المعتقلين في منزل بمدينة انواكشوط اندفع يصفق عندما أذيع البيان العسكري رقم 1، معلنا الإطاحة بالنظام. وقد انعكست حالة الانزعاج التي ظهر عليها سفير فرنسا بانواكشوط السيد "ليمون فيل" صباح العاشر يوليو من عدم تسرب أي خبر عن الانقلاب وفجائيته بالنسبة للفرنسيين.
وقد قام المهندس إسماعيل ولد أعمر بمبادرة منه باستدعاء السفير الفرنسي إلى مكتبه بشركة اسنيم، حيث وصل الساعة العاشرة صباحا وأكد له اسماعيل أن التغيير شأن داخلي وأن التعاون الموريتاني الفرنسي سيستمر وأن مصالح فرنسا في موريتانيا ستبقى مصانة ولن تمس بسوء. ..............يتواصل بحول الله