المراقب المنصف لأوضاع موريتانيا اليوم، سيصاب بالدوار وعدم تصديق مايحدث: في الظاهر حكومة تترنح ومشاكل تستعصي علي الحل وشعب حائر يبحث عن حل لمعضلات بلده، أوعلي الأقل التخفيف من معانا ته المتشعبة، ونظام يسير في ظلمة، لايعرف الصديق ولا العدو ماهي أهدافه؟ وما هي رؤيته؟ وما هي استراتيجيته؟ وماذا يريد بالضبط؟علاقاته الخارجية غير واضحة المعالم ، تبدو في مظهرها الخارجي، مجرد رهانات خاسرة وهي في تصبح في أحسن الأحوال، عندما لا تبدو هذه العلاقات متوترة مع الآخر- رغم أن الواقع يؤكد معطيات غير مطمئنة، رغم أنها غير مبررة.
إنه إنجاز جد هزيل وحصيلة مستفزة وواقع يستحيل استمراره، سواء علي مستوي مايسمي ب"القمة" أو ما يطلق عليه "القاعدة" الشعبية وغير الشعبية.
1- نظام دعامته متذمرة ومتصارعة ف"أغلبيتة" تبدو مهلهلة و لا تقف علي صخرة صلبة: عمودها الفقري منتهي الصلاحية،ولايلبي حاجة سياسية، استهلكته الأنظمة الفاسدة والمفسدة في الماضي وقد يصبح جزءا من صراع رفقاء السلاح اليوم - إذا صدقنا الشائعات المتداولة في نواكشوط.
2- في المقابل، نجد معارضة، زعماؤها التاريخيون هم علي عداوة مستحكمة، شلت صراعاتهم عمل المنسقية، وتيار إسلامي يعول عليه في التغيير، يبحث هو الآخر عن طريق توصله إلي هدفه، بعيدا عن الطريق، التي يسلكها الثلاثي: التكتل- التحالف الشعبي- اتحاد قوي التقدم...إلخ.
3- شباب جامعيوه يقتتلون علي الفتات،شلت البطالة فاعليته واستبطن شعورا يدفعه لجلد ذاته أكثر من اعتزازه بقدراته ومقدرات بلاده، تسعي قلة منه إلي النزول إلي ساحة بلوكات لتكرر شعار: الشعب يريد إصلاح النظام والشعب يريد إسقاط النظام..إلخ، شباب يعرف مايريد، وواثق من جدية رفضه للواقع السياسي في البلد، لكنه لايملك أبسط تصور عن البدائل العملية للواقع المعاش، من خلال رؤية علمية ،لاتستنسخ تجارب الآخرين وقابلة للإنبات في هذه الربوع الجرداء.
هذه هي موريتانيا اليوم- التي رسمت فرنسا معالمها منذ أكثر من خمسين سنة-وهذا هو المصير الذي يمكن أن تنتهي إليه الدولة القطرية، التي رسم المستعمرمكوناتها الديموغرافية وحدودها الجغرافية وطبيعة همومها السياسية التي تتصدر الإهتمامات الوطنية والنقاشات المحلية.
ألم يشكل المشكل الثقافي في موريتانيا الموضوع الأبرز والعنصر المفجر؟بفعل اللغة الفرنسية الوافدة من وراء البحار، لتشكل نبتة مزعجة وأداة تدميرية.
فعندما تخاطب الدولة الموريتانية مواطنيها بلغة فرنسا وعندما تستلم ربة البيت الأمية فاتورة الماء والكهرباء بلغة فرنسية، وعندما يخاطب الرئيس مرؤوسيه باللغة الفرنسية- رغم علمه بأنه أحيانا لايفقه منها حرفا واحدا، فعندها يجب أن نقتنع عمليا بأننا نعيش وهما إسمه: الإستقلال .
كل هذا في ظل دستور يؤكد دستورية اللغة العربية ولايشير إلي الفرنسية بأية كلمة، ورغم ذلك تكرس الفرنسية وتقصي العربية، ويهمش حاملو شهاداتها من الوظيفة العمومية ومن النفوذ السياسي.
فهذه إذن – إخوتي الأفاضل- هي موريتانيا اليوم وتلك هي رؤيتهم المرسومة لها، أما نحن فيجب أن لا نضحك علي أنفسنا وندس رؤوسنا في التراب، فإما أن نكون أو لا نكون.
ليس مقبولا أن لا تكون موريتانيا حضنا دافئا لمواطنيها، وأن لاتقدم لهم من النماذج، سوي اللا عدالة واللا إنصاف والمستقبل المقلق، بفعل استئثار قلة بخيرات البلد وتكريس ذلك كواقع أزلي،ونتيجة كذلك للولاء للذات بديلا عن الوطن، كما أنه ليس من المنطقي أن يقبل العاقل بالإقامة في سجن واسع ، ليس له من العزاءفيه ، سوي كثرة السجناء فيه، وشراسة السجانين المتمترسين حوله ، كما أنه من غير المقبول أن تبقي باريس هي جهة الحل والعقد في بلادنا، تقصي من تشاء وتصعد من تشاء إلي السلطة، إما عن طريقة الإنقلابات العسكرية أوبرعاية الإنتخابات المزورة، أوبواسطة الأبوة التاريخية، فإما أن نبقي مستعمرة- لكن برضانا- وإما أن نعيش أحرارا في ديارنا، نقرر من يحكمنا ونضع لأنفسنا الأولويات التي نري أنها تستحق ذلك.
فلم يعد مقبولا أن نبقي رهائن لرهانات الدولة الإستعمارية ولا لخياراتها الإستراتيجية، لذا يجب أن نعلن بصوت واحد أن لا نزاع بسبب اللغة الفرنسية ولا اقتتال بدافع التنوع الفئوي أو العرقي، فقد عشنا سويا منذو قرون وقرون، فكيف نصبع فجأة أداة تدميرية للذات لصالح الآخر، نكتوي نحن بنارها ويربح الآخر بجني ثمارها.
فالخطر الحقيقي علي مستقبلنا ليس بعضنا بعضا وإنما هو: صاحب شعار "فرق تسد".
لقد آن الأوان أن ندرك الحقيقة المرة الماثلة واللعبة السيزيفيةالمكشوفة اليوم أمام الجميع.
إننا جميعا إخوة، أما هم فتكفينا تجاربنا السابقة معهم.
بقلم/محمد المختار ولد محمد فال