طوفان الأقصى وحاجة الأمة لتجديد مشروع تحرري يتجاوز التجزئة/ محمد المختار محمد فال

أربعاء, 07/30/2025 - 16:34

طوفان الأقصى وحاجة الأمة لتجديد مشروع تحرري يتجاوز التجزئة

 

مقدمة:

لا شك أن عملية السابع من أكتوبر أيقظت المشاعر العربية الراكدة، التي أصيبت في مقتل عند ما تكفلت الأنظمة العربية بتحرير فلسطين وصدق ذلك بعض القيادات الفلسطينية، ليفاجئوا لاحقا بأن أغلب حكام العرب ليس لديهم خيار لتحرير مقدسات الأمة، سوى استجداء الغرب الذي يرون أنه وحده الكفيل بنيل الفلسطينيين لحقوقهم الوطنية المشروعة، وأن "الشرعية الدولية" هي الأداة الناجعة لرفع الظلم واسترداد الأوطان.

عندها أدرك الفلسطينيون أن الكفاح المسلح هو وحده القادر على كنس الاحتلال وتحرير الأوطان، فكانت جولاتهم المتعددة، التي انتهت بأوسلو ووهم السلام، وسراب العهود والمواثيق الصهيونية، التي حولت البندقية الفلسطينية إلى حارس مجاني لكيان الاحتلال، وغيرت فوهتها نحو نحور المجاهدين الفلسطينيين، الذين قرروا أن ينتزعوا حقوقهم بالقوة، انطلاقا من أنه ما حك جلدك مثل ظفرك ومن مبدأ "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"

إن انقسام البندقية الفلسطينية إلى مدافع عن المشروع الصهيوني أو مقاوم له، كرس التجزئة وسمح مجددا للمحاور بالتغلغل داخل النسيج الفلسطيني، فانحاز المخذلون  لصف الغرب وخدامه من حكام العرب المهيمنين عربيا، في حين وجد الطرف المجاهد سندا له في الدعم الإيراني، الذي ساعد على وقف انهيار البندقية المقاومة، وهو ما خلق تناغما مضادا للمشروع الغربي -الصهيوني، المتحالف مع أنظمة "الإعتدال العربي".. تجلى ذلك في معارك غزة المتعددة مع الكيان الصهيوني وحروب حزب الله المظفرة ضد دولة الاحتلال، ولاحقا مع إسناد قوى المقاومة في اليمن ولبنان والعراق، وعززته الضربات المدمرة التي وجهتها إيران للقدرات الصهيونية بشكل مباشر، خلال محطات الوعد الصادق الثلاث.

هذا التضارب ولد مواقف صاخبة، اتجاه طوفان الأقصى، فظهر من يؤيده ويناصره وانبرى مخذلون فلسطينيون وعربا للطعن في جدواه، متذرعين بالمآسي والأثمان المفجعة، التي يدفعها الشعب الغزاوي المجاهد والصابر والمحتسب.

 

 

فلما ذا إذن طوفان الأقصى وما هي دوافعه وأهدافه؟

تؤكد حركة حماس في وثيقتها: "هذه روايتنا" المتعلقة بمسوغات ودوافع طوفان الأقصى أن ما جرى يوم السـابع مـن أكتوبر 2023، ليس استثناء وإنما كان ضمن سلسلة مواجهات مستمرة منذ 105 سنوات (30 منها) في مواجهة الاحتلال البريطاني، (و75 منها) في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، حيث كان الشعب الفلسطيني سنة 1918 يملك 98.3 من أرض فلسطين، ويشكل نسبة92% من تعداد سكانها.

كما شكلت معاناة الشعب الفلسطيني وسلبه كافة حقوقه وإخضاعه لميز عنصري وحصار قطاع غزة الخانق لأكثر من 17 سنة وتعرضه لخمسة حروب كان الصهاينة هم المبادرون بشنها، وقتل 360 فلسطينيا وجرح 19 ألفا، من بينهم نحو خمسة ءالاف طفل، خلال الإحتجاجات الشعبية السلمية التي عرفت ب"مسيرات العودة".

كما أكدت الوثيقة أنه وفقا لدراسة إحصائية موثقة، غطت الفترة من 2000 إلى سبتنبر2023، فقد قتل الصهاينة11.299 فلسطينيا وجرحوا 56.768 فلسطينيا أغلبهم مدنيين.. وهو ما وثقته الهيآت الدولية المشهود لها بالكفاءة وكذلك منظمات صهيونية وأخرى فلسطينية، دون أن يتعرض هذا الكيان لأي مساءلة أو عقاب، بل إن سفير هذا الكيان المحتل قام يوم29/10/2021 بتمزيق تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من على منبر الأمم المتحدة وقال إن مكانه سلة المهملات، فكان جزاؤه الانتخاب نائبا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة السنة الموالية.

بالإضافة إلى تواطؤ الغرب مع هذا الكيان وجعله فوق القانون الدولي، لا يخضع للمساءلة ولا العقوبة، رغم صدور أكثر من 900 قرارا دوليا لصالح الفلسطينيين، منذ75 سنة، دون أن ينفذ منها واحدا، نتيجة لهذه الحماية الغربية الكاملة.

كما تنكرت دولة الاحتلال لاتفاقية أوسلو، المتضمنة لقيام دولة فلسطينة على جزء من أرض فلسطين التاريخية، وعملت على تدمير أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية وأعلن مسؤولوها رفضهم لقيامها، بل إن رئيس وزراء الكيان(نتنياهو) خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتنبر 2023(أقل من شهر قبل طوفان الأقصى)، قام بعرض خريطة لفلسطين بلون واحد، دون استنكار أو تنديد.

وتساءلت حماس، قائلة: ما ذا كان يتوقع العالم من ءاخر شعب لا زال يرزح تحت الاحتلال، عانا ما عاناه خلال أكثر من قرن أن يفعل لمواجهة التقسيم المكاني والزماني للأقصى وازدياد وتيرة اقتحامه وتدنيسه من قبل الصهاينة؟

وما ذا يمكن للفلسطينيين أن يفعلوا لمواجهة مخططات حكومة متطرفة في الضفة الغربية والقدس؟ وبأي طريقة يمكن تحرير ءالاف الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الذين يواجهون أبشع تنكيل في ظل حكومة نتنياهو- بن اغفير- اسموتريش، والحصار الجائر على غزة وازدياد وتيرة الإستيطان والضم وجرائم المستوطنين واعتداءاتهم ضد السكان العزل.. وكيف يتم تحقق ءامال أكثر من سبعة ملايين فلسطيني طردوا من وطنهم، يعيشون الان ظروف التشريد واللجوء والغربة في ظل غياب الشرعية الدولية وتآمر الدول الغربية المتنفذة في العالم؟

ما الحل؟

أمام تغول المشروع الصهيوني الماثل، والتماهي الغربي معه، وانكشاف عمق التحالف العضوي بين أنظمة مؤامرة "سايكس بيكو" وهذا الكيان الغاصب، كيف تواجه الأمة هذا التحدي الوجودي؟ وهل شكل طوفان الأقصى المقدمة الفعلية للتصدي لهذا التهديد الوجودي؟ وهل نملك ترف انتظار المآلات أمام هذه الإبادة الجماعية اليومية؟ وما هي الأثمان التي ستدفعها الأمة إذا نجح الكيان الصهيوني وحلفاؤه في تصفية المقاومة في غزة وفي المنطقة؟

من المسلم به في هذه الحالة أن الأمة ستواجه وضعا مؤلما وكارثيا، قد يضاهي أو يفوق كارثة غزو المغول والصليبيين لديارنا، وقد يؤدي- لا قدر الله- إلى ما لا تحمد عقباه.. لكن الأمل معقود على أن هذه الأمة حية وعصية على الإخضاع، مشبعة بعقيدة الجهاد والتضحية، تمتلك إرثا حضاريا، يحميها من السقوط الكلي.. فقد يشكل "طوفان الأقصى" مقدمة لتلاحم القوى الشعبية وانخراطها الفعلي في ساحات الجهاد والمقاومة، الشيء الذي سيؤدي حتما إلى تساقط الأنظمة العميلة والخانعة، وسيتبدى للجميع الضرر البالغ الذي أحدثته مؤامرة "سايكسبيكو"، التي حولت الأمة إلى قطع شطرنج تحمل أسماء لشبه دول.. عاجزة عن حماية نفسها أمام تغول الغرب وشراهة شركاته ودوله، والتي حولتنا من أمة تطور العلوم وتقود العالم قرونا عديدة إلى شعوب خانعة لا تأثير لها ولا حول لها ولا قوة أمام الصراعات والتحولات التي يشهدها العالم اليوم.

أن هذا الموضوع يتسم بالتعقيد وتشابك المعطيات والجوانب، لذا فإننا – وبفعل ضيق الوقت- يمكن أن نطرح الأسئلة التالية، لتفكيكه وتسهيل إيجاد جواب شافي للسؤال الإشكالي: كيف تتجاوز الأمة حالة التجزئة والتبعية لتصل إلى الوحدة والتحرر والمناعة والندية؟

إن حاجة الأمة لتجديد مشروع تحرري يتجاوز التجزئة والتبعية والخنوع المذل، تفرض علينا جميعا الجواب على تساؤلات، قد تحمل تلك الأجوبة مقدمة لتجاوز مرارات المرحلة الحالية وقد تساهم في خلق وعي يفضي لميلاد فجر مشرق، يضعنا في الصدارة العالمية- كما كنا- وينهي حالة الفرقة والتمزق، لنعود كما كنا بلدا واحدا، يفرض احترامه على الجميع، تهابه جميع الدول المتغطرسة، النهمة والمتوثبة لاستعباد الشعوب ونهب ثرواتها الوطنية، وحرمانها من أي فرصة للحياة الكريمة داخل أوطانها.

* هل الوحدة العربية نواة للوحدة الإسلامية، أم العكس؟

* هل كان طوفان الأقصى أداة توحيد للأمة، أم أنه زاد من تشرذمها؟

* لما ذا جزئت الأمة إلى قطع صغيرة تحرمها المناعة الذاتية والقدرة على تشكيل قطب منافس للقوى المهيمنة، ومن المسؤول؟

* بأي آلية نتجاوز حالة الهوان والسطو على المقدرات والضياع والخضوع المذل؟

* هل يمكننا خلع القيود والأغلال التي تكبل الأمة اليوم، أم أننا ضمن الظروف الحالية أعجز من أن نبني مشروعا تحرريا؟

* ما الفائدة من الوقوف عند محطة "طوفان الأقصى" دون غيرها؟

* ما هي دوافع الغرب في غرس الكيان الصهيوني في قلب الأمة، ومنع الاتصال بين جناحيها في إفريقيا وآسيا؟

* لما ذا تطرح مواضيع التحرر والوحدة الآن بوصفهما جزءا من تداعيات طوفان الأقصى؟

فإذا كان الفلاسفة، يفضلون السؤال على الجواب، فإنه في مواجهة القضايا الكبرى والمعقدة، قد يشكل السؤال بالنسبة لنا أفضل أداة لاستيعاب الحاضر وبناء المستقبل.

فلا بد من استيعاب دروس الماضي ومرارات الحاضر، من خلال إحياء الذاكرة بأمجاد الأمة، والوعي بمخاطر السرديات المعادية.

أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

محمد المختار ولد محمد فال

23/07/2025