الزعيم حرمه ولد ببانه في سينلوي / بقلم محمدن ولد عبد الله

خميس, 01/09/2025 - 11:48

طالما سمعت عند أهل اندر حكايات متفرقة عن الزعيم حرمه ول ببانه وفترته في سينلوي وبالأخص كنت أسمعها عند أسرة أهل يب امبينگ فقد كان والدهم من إداريي الحكم الفرنسي في سينلوي وصديقا حميما للزعيم وكان منزلهم على نفس الشارع الذي يطل عليه منزل حرمه وقبل أيام زودني الباحث الكبير عبد العزيز ولد حمود بصورة للزعيم حرمه في سينلوي تعود للعام 1951 وبعد بحث وتدقيق خرجت بقناعة تامة عن مدى الانسجام الاجتماعي الذي تميز به حرمه عن غيره من السياسيين مع أهل اندر.

علاقة الزعيم احمدو ولد حرمة بالسينغال تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان يدرس بمدرسة أبناء الأعيان بالمذرذرة التي التحق بها في العام 1926 وانتظم في سلكها الابتدائي مدة ست سنوات وفي سلكها الثانوي سنتين وتخرج منها معلما للغة الفرنسية بحصوله على شهادة التدريس البيداغوجي، وكان يتردد خلال فترة الدراسة التي قضاها معلما على العاصمة الموريتانية يومها (اندر) (سينلوي ) كما يسميها المحتل في وثائقه الادارية كما كان على اتصال دائم بعاصمة اتحاد افريقيا الغربية الفرنسية لما وراء البحار داكار،

حيث توطدت علاقته بالمجتمع السينغالي في هذه البلاد.

وعندما انتخب نائبا في البرلمان الفرنسي ممثلا لموريتانيا في العاشر من نوفمبر ،1946 وفي 1947 انتخب رئيسا للمجلس العام لموريتانيا اقتضت ظروف ممارسته لصلاحياته الإقامة في العاصمة الموريتانية ٱنذاك مدينة اندر، هذه المدينة التي كان يتعايش فيها البيظان بانسجام ووئام مع السينغاليين والفرنسيين والمغاربة واللبنانيين وغيرهم من الأعراق وكان نسيج هذه المدينة الاجتماعي يومها فريدا في تعايشه وسلميته.

فعندما انتخب الزعيم حرمه كما تروي الحاجة فاطمة افال - وهي سيدة جليلة من سكان السنغال القدامى من ذوي الأصول الموريتانية السينغالية ومن محيط النائب حرمه آنذاك وعميدة لكثير من الأسر الكبيرة- تتحدث فاطمة افال عن مناسبة احتفالية أقامها سكان اندر احتفاء وتكريما للنائب حرمة بمناسبة انتخابه فتقول:

بعد انتخاب حرمة ساد الكثير من البهجة على امتداد أرض البيضان تناقلته البيظان والسودان بهجة وسرورا بانتخابه، وفوز حرمة حيدره على الفرنسي "ايفون رازاك" المتغطرس المعتز بانتمائه لدولة كبيرة وقوية وسيدة على هذه المنطقة فكان الحدث استثنائيا ("لو خمني مسنيوك كس كوك حيدرة موك دف" لو تعرف، هذا لم نره من قبل هذا فعله حيدره")

فاجتمعت النساء المعروفات على الساحة بصفتهن سيدات مسموعات الكلمة ولهنّ رأي يعكس وجهة المجتمع فقررن تنظيم (فنال) تكريما للنائب الفائز حرمة (وفنال )هو عبارة عن موكب من العربات المصنوعة من الخشب مزينة بلوحات وأقمشة زاهية اللون، وعلى متن هذه العربات تُقدمُ عروض من الغناء والأهازيج الشعبية وبعض اللقطات التمثيلية وتختلف العروض من عربة إلى أخرى، واستمر اعداد هذه التظاهرة- والحديث هنا لإم العيد فال- التي تضيف بأنها ذلك الزمن كانت شابة في حدود 18 سنة وأنها شاركت في الاستعراض الذي نُظم بهذه المناسبة وفي التدريبات التي كانت تجري استعدادا لهذه التظاهرة التي شارك فيها فنانون ومواطنون تطوعوا ليكونو ضمن هذا المهرجان..

وتضيف السيدة اندي ميشل المعروفة ب ياي اندر -كلمة تعني والدة سينلوي-: الفنال الذي نظم تكريما لحرمة بابانا لم تشهد مدينة اندر مثيلا له فأنا ولدت وتربيت وعشت هنا وعمري الٱن يتجاوز الثمانين عاما وما زلت أتذكر تلك المناظر البهيجة الجميلة: الشابات والفتيان بقاماتهم الفارهة والصبايا الممشوقات القوام والمغنيات ذوات الأصوات الشجية وهن يمجدن حرمة ببانة سليل علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وحفيد النبي صلى الله عليه وسلم فتلك أيام لا تنسى من تاريخ سينلوي.

لقد استمر الاعداد لهذا الفنال أكثر من ثلاثة أشهر : تدريبا وتجهيزا للملابس والعربات، وفي اليوم الموعود كانت كل الترتيبات قد تمت، لينطلق موكب الفنال من ساحة تنچگين باتجاه منزل النائب الذي يقع داخل الجزيرة في حي لوضه عبر جسر فيديرب الرابط بين تنچكين والجزيرة فأدّى مرور الفنال عبر الجسر إلى توقف حركة المرور داخل الجزيرة، وانطلقت بانطلاقته الأهازيج واصوات المغنيين والمغنيات بشكل أبهر الجميع فخرج السكان للطرقات وأطلوا من شرفات المنازل لمشاهدة مرور الفنال وكذلك موظفو الإدارتين الموريتانية والسنغالية وبعد أكثر من ثلاث ساعات على انطلاقته إلى المنزل "22 ري دي ابوا" حيث منزل النائب، توقف الفنال وبدأ تقديم العروض باللهجة الولفية والحسانية ليطل عليهم النائب من شرفة منزله مصحوبا ببعض معاونيه والمنزل مزدحم بالناس وأصوات الزغاريد ودوي الطبول تملأ الآفاق- بالمناسبة منزلي يقع ملاصقا لمنزل النائب تضيف السيدة- وبعد انتهاء العرض توجه الزعيم حرمه بالشكر للسيدات اللواتي قمن بهذه المبادرة، ومازلت أتذكر قوله "بأنه بين اهله وذويه ولا يشعر بالغرابة لهذا التكريم الذي خصته به هذه المدينة العريقة التي تمثل الكثير من القيم ووشائج القربى بين الشعبين الموريتاني والسنغالي"

وتجدر الإشارة إلى أن الزعيم حرمة ببانة ارتبط بعلاقات مصاهرة مع أسرٍ سينغالية كريمات

فقد تزوج بالسيدة اندي فاتو تلماك صو ووالدها هو أحد أعيان مدينة اندر ومنزله يقع بحي (تنچكين) مطل على الساحة المسماة ببيال تنچكين وأنجبت له محمد عيسى وخديجة ومحمد الحافظ، كماصاهر عائلة بوي سك حيث تزوج السيدة ٱوا بوي سك وانجبت له البنت ٱسية ومنزلهم يقع قرب خزانات مياه اندر الفاتحة على ري دي ابوا غير بعيد من منزل النائب، كما صاهر عائلة اديوف حيث تزوج السيدة اندي خار اديوف وهي من العائلات الكبيرة بدكار ولم تنجب له.

غادر الزعيم حرمه سينلوي في العام 56 نظيف اليد شامخ الرأس مرفوع القامة أحبه أهل موريتانيا والسنغال على حد السواء بعد قضاء عشر سنوات ممثلا لموريتانيا مدافعا عن مصالحها أمام عدو لدود لم يأل جهدا في وضع العراقيل أمام مأمورية الزعيم وفرض فوز نائب جديد في انتخابات شابتها الكثير من الخروقات والتجاوزات من طرف الإدارة المركزية في سينلوي.

المصادر:

- لقاء شخصي مع الدكتور عبد الرحمن ولد حرمه في منزله العامر بانواكشوط مساء الاثنين 30 دجنبر 2024 وقد زودني بأوراق نصية من إرشيف العائلة الموثق.

- الصورة من أرشيف الباحث الكبير عبد العزيز ولد حمود.

 

بقلم / محمدن ولد عبد الله

المدير الناشر لشبكة رياح الجنوب