ريم ويب- منذ عدة أشهر، تستمر بعض قنواتنا التلفزيونية في الحديث عن ملحمة الكفيه ولد بوسيف ذي الاسم الحقيقي محمد ولد هنون ولد بوسيف ، الذي ظل بلا شك مشهورا بمفاخره الحربية بالإضافة إلى تحفه الشعرية التي أصبحت مرجعية للعديد من شعرائنا المعاصرين، ولكن مع كل ذلك فقد أهمل الرواة في هذه القنوات التلفزيونية صفحة من التاريخ كان بالإمكان أن تثير أيضا اهتمام الكثير من المشاهدين.
ففي يوم من العام 1863و على مقربة من ” آكوينيت ” في ” الحوض” انهزمت إمارة ” أولاد أمبارك ” كما قال الراوي المرحوم “ون ولد خرشف” متناسيا أنها انهزمت من قبل إمارة أخرى هي إمارة “مشظوف” بقيادة الأمير “أحمد محمود ولد المختار ولد أمحيميد”.
وبدون أن ندخل في تفاصيل ما حدث في “آكوينيت” وتحديدا على “كدية أنكادي” بإمكاننا القول إن الكفيه عُومل معاملة جيدة من طرف “أحمد محمود” الذي أقترح عليه صيغة للتعايش لم يقبل بها الكفيه مفضلا الذهاب إلى أخواله “إدوعيش” ، وربما لأنه أدرك أن الإمارة التي قادتها أسرته منذ أكثر من نصف قرن لن تعود أبدا كما كانت وأن صفحة من تاريخها قد طويت.
يوم “آكوينيت” كان بالإمكان أن يمر بشكل طبيعي لو أن ” الكفيه ” قبل طلب الأمير”أحمد محمود”الذي جاء بعد الكثير من الاقتتال العنيف أحيانا مع قبائل أخرى والمتمثل في رغبة الأمير أخذ مشظوف قسطا من الراحة جنب ” أولاد أمبارك” مع عرض يشمل 100 ناقة و8 جياد عتيقة.
هذا المقترح رفضه الكفي رغم نصائح رفيقه “جدو ولد نواري (من “أولاد بحمد “فرع أهل ” تيكي “) الذي كان حاضرا أثناء تسليم الرسالة من قبل “محمد الصغير الشريف التنواجوي”جدُ الحاكم الحالي لمقاطعة “كيهيدي” السيد : إسلكو.
جدو ولد نواري أشار للأمير الكفي بأسلوب خاص أن رفض هذا العرض قد يضر بسلطته مشعرا إياه أن الإبل تعني اللبن وأن الجياد تعني التقدير هذا بالإضافة إلى شريف كحلقة وصل .
وبعد يومين دارت عجلة التاريخ مؤدية “بآكوينيت” والمنطقة بأكملها إلى النتيجة التي نعرف.
وفي هذ الشأن لم يدرك “أولاد أمبارك” أن القوة الضاربة التي كانوا يمتلكونها حين ما كانوا يحكمون الحوض قد تضررت زمنا طويلا بفعل الحروب الأهلية ،وأن الغارات المستمرةَ عليهم من بعض القبائل الأخرى وبالأخص “أولاد الناصر” قد أفقدتهم التوازن، الى درجة أن 1800 بندقية التي أداروا بها الحرب يوم ” آكوينيت” لم تستطع التصدي ل 7000 لدى مشظوف .
وبخصوص سفر ” الكفي” إلى أخواله وضع ” أحمد محمود” تحت تصرفه حماية مدعمة لمرافقته حتى ” تكانت” وأثناء استعداد الأديب الشهير للرحيل أنتج بعض نصوصه الشعرية التي تذكر فيها بعبرة تفاصيل أوقاته الجميلة التي قضاها في الحوض.
وفيما يتعلق بجدنا الأمير “أحمد محمود ولد المختار ولد أمحيميد”، أعتقد أن بإمكاننا القول إنه كان رجلا عظيما وذا مسار استثنائي وقد عاش على رأس إمارته في ” الحوض” بمفهومه الواسع من ” أفام لخذيرات ” إلى ” فصال أنيرة “- في قمة المجد حتى توفي يوم الجمعة 18 يوليو 1884 عند “أتيلَ” شمال “تمبدغة” عن عمر ناهز 80عاما.
أما أحفاده الذين لا يخلون من أدباء مشهورين، فقد طبعوا بدورهم فترة الاستعمار كذلك فترة الاستقلال التي تأقلموا فيها بحكمة مع دواعي المصلحة العامة، وهذه صفحة أخرى من التاريخ لها بعد آخر.
حمود ولد اعل سفير ووزير سابق.