في يوم الأحد 15- 11 – 2015 ، وتلبية لرغبة جمع هام من شباب مقطع لحجار ، وفي نطاق الاستعدادات الجارية لتخليد الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني المجيد ، قدم قيادي اتحاد قوى التقدم د. محمد الناجي بن محمد بن أحمد ، محاضرة تحت عنوان : الحركات السياسية الوطنية ودورها في ترسيخ الاستقلال (الحركة الوطنية الديمقراطية نموذجا)
ذكر المحاضر - بداية - بأن الوعي السياسي الذي عرفته موريتانيا لم يكن عفويا ولا طفرة وإنما كان وراءه عوامل متعددة منها :
تأثير المقاومة المسلحة التي فاجأت المستعمر الفرنسي ، إذ كان يعتقد أنه سيحتل موريتانيا سلما ، مراهنا على بداوة شعبها وبساطته ، لكن الرفض الواسع الذي جسدته المقاومة الوطنية من أقصى البلاد إلى أقصاها قد أذهله ، تلك المقاومة التي استمرت أكثر من ثلاثين سنة ، كانت مقاومة باسلة وبوسائل بدائية في مواجهة اسلحة متطورة ، شهد المستعمر نفسه بضراوتها وجرأتها وتنوعها .
ومما يؤسف له اليوم - يضيف د. محمد الناجي - أن البعض يحاول التقليل من أهمية تلك المقاومة ولعله لا يعلم أنها وإن كانت أسطورة حسب ما يزعم ، فإنها أسطورة جميلة لا تجوز محاربتها أو التقليل من شأنها ، لأنها تعبر عن قيم كبرى وتطلعات نحو آمال بشرية . ولم تكن المقاومة الثقافية أقل شأنا لأنها كانت هي الأخرى تعبر عن عمق حضاري يرفض الاستلاب ويتمسك بالهوية الخاصة .
حركة أحمدو ولد حرمة ولد ببانا ضد المستعمر ، فقد دوى صوت الرجل عاليا في البرلمان الفرنسي مطالبا باستقلال موريتانيا وغيرها من المستعمرات الفرنسية ؛
حركة الزعماء التحرريين في افريقيا والعالم العربي : جمال عبد الناصر في مصر – أحمد شيخو تورى في غينيا – كوامين اكروما في غانا – سيدي محمد الخامس في المغرب ، بالإضافة إلى الثورات التحررية في الجزائر وفيتنام وغيرها .
ونتيجة لهذه العوامل وعوامل أخرى ، وبعد رابطة الشباب ، نشأت حركات سياسية في موريتانيا : الوطنية الديمقراطية – الناصرية – البعثية – الإسلامية – الزنجية في الجنوب. ولكل من هذه الحركات والتيارات دور معروف في الاستقلال وطرح القضايا الوطنية المختلفة .
إلا أن الحركة الوطنية الديمقراطية - يضيف المحاضر- كانت أبرز هذه الحركات وأكثرها انتشارا وتأثيرا. ويمكن القول إن تشكل هذه الحركة جاء بعد أحداث ازويرات الدامية يوم 29- 05 - 1968 ، إثر قمع الاحتجاجات العمالية.
ومن خصوصيات هذه الحركة في شموليتها وتنوعها ، أنها صهرت في نسيجها عدة تيارات وطنية مختلفة مثل : حركة القوميين العرب - حزب العمل الموريتاني - مجموعة تولوز - الحراك الطلابي والمدرسي .
وإذا كانت بدايات هذا النوع من القضايا ، لا يمكن أن ترد إلى عامل واحد ولا إلى جهة بعينها فإن الشرارة الأبرز ، انطلقت من مقطع لحجار . وقدم المحاضر على ذلك شهادتين :
- الأولى من وزير داخلية سابق ، شبه فيها نضال الحركة بسحب تتكون في مقطع لحجار وتمطر في انواكشوط ؛
- والثانية من الرئيس محمد ولد مولود ، الذي قال في أحد المهرجانات أنه أخذ سبحته السياسية من مقطع لحجار ؛
كما قدم المحاضر لائحة من نحو أربعين عنصرا من أبناء المقاطعة كانوا فاعلين في الحركة ومنهم قيادات بارزة تتوزع اليوم في مجالات الحياة المختلفة .
وقال إن الحركة الوطنية الديمقراطية استبسلت في النضال وطرح القضايا الكبرى وخاصة الاستقلال والسيادة وحق المساواة ومحاربة التراتبية الموروثة ، وعملت من أجل القضاء على الرق بكل أشكاله ، كما عملت من أجل حصول المرأة على حريتها وكرامتها ، وحاربت التقاليد الخاطئة وخاصة التهميش الممنهج الذي لا يستند إلى الشرع ولا إلى المنطق . وقد كلف ذلك الحركة وكلف أفرادها ثمنا باهظا بما عانوه من السجون والمطاردات وقطع الأرزاق ... ولكن صمودها كان اسطوريا حتى تحققت مسائل هامة كانت تطمح إليها (مراجعة الاتفاقيات المجحفة مع فرنسا - تأميم ميفرما – سك عملة وطنية ... ) ولعل ذلك كان السبب الأبرز في إضعافها وتشرذمها .
وإذا كانت الحركة تعرضت للإنكار والجحود في فترة معينة ، فلا أحد اليوم ينكر دورها الإيجابي في المسيرة الوطنية وما خلفته من تأثير على الحياة السياسية وما أورثته من أدب فصيح وشعبي ، يتناول أوجه الحياة ، فكانت موضوع أطروحات جامعية عديدة .
مع أن أي عمل بشري لا يمكن أن ينجو من الهفوات أو يسلم من العثرات .
الحاضرون عبروا من جهتهم عن إعجابهم بهذا العرض الممتع والقيم وطرحوا أسئلة هامة تتعلق بالحاضر والمستقبل وأسباب تهميش الشباب وما يعيشه من إحباط ، وعن تمسك القيادات التقليدية بمواقعها والأسباب الكامنة وراء التحولات التي عرفتها بعض الحركات والزعامات ، كما تساءلوا بشيء من الاستغراب عن علاقات السياسيين بالسفارات الأجنبية المعتمدة في بلادنا .
وفي الأخير أجاب المحاضر - حسب رأيه - على كل هذه الأسئلة والتساؤلات .