من مهامّ مكتب تنسيق التعريب بالرباط، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (جامعة الدول العربية):
تنسيق الجهود التي تُبذَل لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة...وتوحيد المصطلح العلميّ في الوطن العربيّ.
وقد أصدر المكتب، منذ إنشائه (سنة 1961م)، عشرات المعاجم الموحَّدة (نحو: 50 معجما) في مختلِف حقول المعرفة، وبثلاث لغات (الإنجليزية، الفرنسية، العربية).
ولمّا كانت المصطلحات العلمية الجديدة تتكاثر بوتيرة فائقة السرعة، فإنّ مؤسسات العمل العربيّ المشترك (وفي مقدمتها: مكتب تنسيق التعريب، ومجامع اللغة العلمية والعربية)، مدعوة إلى العمل على وضع خُطّة محكمة لوضع مصطلحات عربية تعبر بدقة عن مفاهيم.المصطلحات الأجنبية الجديدة.
وحبَّذا لو اتسمت هذه الخُطة بالسرعة المناسبة، حتى نتمكن من وضع مصطلح عربيّ موّحَّد للمصطلح الأجنبيّ الجديد قبل أن يجتهد المترجمون في التعبير عن مفهومه بكلمة عربية غير خاضعة للمعايير العربية المألوفة لدى أهل الاختصاص.
مع ملاحظة أنّ اجتهادات المترجمين هذه، بعد أن تشيع بين الناس وتتداولها وسائل الإعلام ، يصبح من الصعب إقناع الناس بالتخلي عنها، وحتى لو كان البديل أفضل. ثم إنّ شيوع المصطلح الجديد، يتطلب وقتا طويلا.
ومن خلال تتبعي لِما يروج من مصطلحات أجنبية حديثة جدًّا (في المنشورات الإلكترونية بصفة خاصة)، فقد جمعتُ طائفة من الآراء المفيدة التي يقترح أصحابُها مصطلحات عربية للتعبير عن مفاهيم بعض المصطلحات الأجنبية الجديدة.
وقد لَفَتَ نظري أنّ هذه الاقتراحات (في معظمها) جاءتْ على صيغة "فَاعُول". وسيتضح ذلك من خلال استعراضها.
ويطيب لِي أن أذكِّرَ القراء الكرام بأنّ مجمع اللغة العربية بالقاهرة، قد أقر القياس على صيغة "فاعُول"، في أسماء الآلة، إلى جانب: مِفْعَل، مِفْعَال، مِفْعَلَة. وحَسَنًا فَعَلَ، لأنّ باب الاجتهاد في هذا المجال لَمْ يُغلَق، ولا ينبغي له ذلك. وتقع هذه المَهمّة على عاتق مجامعنا اللغوية، والمؤسسات العربية المعنية (مكتب تنسيق التعريب، على سبيل المثال).
وللعلماء آراء مختلفة في دلالة "فاعُول"، هل هو لاسم الآلة أم للمبالغة، وهل هو سماعيّ أم قياسيّ، وهل هذه الصيغة عربية أم أعجمية. والراجح أن أصله عربي، وأنه مشترك في اللغات العُرُوبية (اللغات السامية).
ويرى بعضهم أنّ "فاعُول"، صيغة سماعية لأنها لم تُذكَر ضمن الصيغ التي ذكرها سِيبَوَيْهِ، وهي: فَعُول، مِفْعَال، فَعَّال، فَعِل، فَعِيل، على اعتبار أنّ هذه الصِّيَغ قياسية وما يرد من غيرها فهو سماعيّ. وهذا لا يقلل من قيمة هذه الصيغة (فاعُول)، لأنّ العربية لغة سماعية قبل أن تكون قياسية.
وفي ضوء قرار مجمع اللغة العربية، اعتمدت مؤتمرات التعريب، مصطلح: حَاسُوب (على صيغة: فاعُول)، للتعبير باللغة العربية عن مفهوم: (computer). ومصطلح: نَاسُوخ ، للتعبير عن مفهوم (fax). مع الاحتفاظ بتعريب الكلمة الأجنبية: فاكس. (التعريب، في مفهومه الضيق، هو: إدخال الكلمة الأجنبية بلفظها إلى اللغة العربية مع صبغها بصبغة عربية. وفي مفهومه الواسع، هو: إحلال اللغة العربية محل اللغة الأجنبية، في التعليم والإدارة وسائر المرافق الحيوية للدول العربية).
وأشير إلى أنّ "الحاسُوب"، لم يكن المقترح الوحيد للتعبير عن مفهوم "computer"، بل كانت هناك عدة اقتراحات، منها: الحاسِب الآلي (ومازال الإخوة في المشرق يستخدمون هذا المصطلح)، الحاسِب، الحَسَّابة، الكمبيوتر(أي تعريب الكلمة الأجنبية بإدخالها بلفظها)، الرَّتَّابَة، النّظّامَة، المِنظام، المِنظَمة، إلخ.
ومن المعلوم أنّ "الحاسوب"، عبارة عن جهاز قادر على استقبال البيانات ومعالجتها، للحصول على بيانات ذات قيمة تخزَّن في أوعية (وسائط) تخزين متنوعة.
وتوجد اصطلاحات كثيرة متعلقة بماهية هذا الجهاز وطريقة عمله. من ذلك، على سبيل المثال: الذاكرة، وحدة التحكُّم، وحدة الحساب (قلب الحاسوب)، الإدخال والإخراج، إلخ.
وإليكم المقترحات التي وقعَ عليها اختياري وأنا أتصفح بعض المنشورات الإلكترونية، وذلك على النحو الآتي:
1-الْوَاجُوهُ: facebook، وهو عبارة عن شبكة اجتماعية تأسست سنة 2004م. ويوجد إقبال كبير على استخدام هذه الشبكة (web)، حيث يرتادها-حسب بعض الإحصاءات- أكثر من مليار مستخدم عبر العالم. ويُتِيح الْوَاجُوه "فِيسْبُوك" العديد من البرامج والخِدْمات، مثل: برنامج "comet"، المسمَّى "chat". وتعليقات الفيسبوك: facebook notes. وخدمة gifts"": الهدايا الافتراضية، إلخ.
وأشير هنا إلى أنّ بعضهم يفرق بين: الشَّبَكَة/ أو الشبكة العنكبوتية (web)، والشَّابِكَة (internet).
2-الْمِغْرَادُ: twitter، وهو موقع يقدِّم خدمات تسمح لمستخدمه بإرسال تَغْرِيدَة، عن موضوع يختارُه، بحد أقصى لا يتجاوز: 140 حرفًا لكل تغريدة (رسالة). وقد ظهر هذا الموقع سنة: 2006م. وفتح المجال للغة العربية سنة: 2012م.
3-الشَّاهُودُ: youtube، وهو موقع يسمح لمستخدمه برفع التسجيلات المرئية مَجَّانًا، ومشاهدتها عَبْرَ البثّ الحيّ، ومشاركتها، والتعليق عليها. تأسّس سنة: 2005م.
4-السَّامُوعُ: soundcloud، وهو موقع للموسيقى والأصوات يسمح لمستخدمه بإنشاء الأصوات ومشاركتها(تسجيل الأصوات وتحميلها). ومتوفرة تطبيقاته على الهواتف الذكية. تأسّس سنة: 2007م.
5-الْبَاحُوثُ (محرك البحث)، مثل: گوگل، وهو: محرك بحث على الشابكة/ إنترنت: internet. تأسست شركة "گوگل" سنة: 1998م. وتقوم هذه الشركة الأمريكية بتنظيم البيانات (المعلومات) على الشبكة/ الشبكة العنكبوتية (web).
ومن خِدْمات "گوگل": بريد: gmail، google docs، google site. ومن هذه الخدمات كذلك: إنشاء الاشتراك في المجموعات (groups). وقارئ (reader) خلاصات المواقع (rss). وخدمة الترجمة (translate)، التي تعتمد على تقانة (تكنولوجيا) الذكاء الاصطناعيّ، إلخ.
6-الْخَادُومُ/ أو الخادِم: server. ولدينا، على سبيل المثال: خَادُومُ التَّحْدِيثَاتِ (أو خَادِمُ التّحديثات): وهو: اصْطِلَاحٌ/ مُصْطَلَحٌ حَدِيثٌ، يَتَأَلَّفُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ:
أ-خادوم/ خادم (server).
ب-تَحْدِيثَات (المفرد: تَحْدِيث). حَدَّثَ الشَّيْءَ: جَعَلَهُ حَدِيثًا (حَيَّنَهُ: جَعَلَهُ حِينِيًّا).
يقوم الخادُوم بمعالجة البَيانات (data ) القديمة، لتحل محلها بيانات حديثة (مُحَيَّنة).
والأمل معقود على أن يقوم مكتب تنسيق التعريب، بالتعاون مع مجامع اللغة العربية، بعرض المصطلحات الأجنبية الجديدة-المشار إلى بعضها- على أول مؤتمر للتعريب، لوضع ما يناظرها في اللغة العربية الفصحى أو اعتمادها بلفظها الأجنبيّ بعد صبغها بصبغة عربية من خلال تغييرها عن طريق القلب أو النقص او الزيادة (وهو ما يعرف بالتعريب).
ومهما بذل الأفراد من جهود محمودة في خدمة اللغة العربية، فإنّ الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع، تبقى لمجامعنا اللغوية الموقرة، بصفتها السلطة التشريعية في المجال اللغويّ.