أخيرا تكلمت الهابا (الهيئة العليا للصحافة والسمعيات البصرية). تكلمت لا لتعلن عن عزمها السهر على تطبيق القانون ولا لتؤكد ارادتها في فرض احترام اخلاقيات المهنة .. لا لتدافع عن حرية الإعلام وطلب الدعم المؤسسي والمالي لقطاع يهدده الضعف الهيكلي وشح الوسائل ..لا للوقوف ضد احتكار وسائل الاعلام العمومية من طرف السلطة القائمة ولا لوضع حد للخطابالقبلي والفئوي والعنصري المتطرف الذي يمزق وحدة الشعب ويهدد استقرار البلد. تلكم أمور لا تهم الهابا وإن كانت هي صميم رسالتها.
بل تكلمت الهابا لتهدد وتتوعد كل من تسول له نفسه أن يمس من قريب أو بعيد مما سمته "شرف رئيس الجمهورية وعائلته".
ولكننا نقول للهابا إن الرئيس وحده هو من يستطيع أن يحمي شرفه وشرف عائلته. يحميه، ليس ببيانات الهابا ووعيدها وتكميمها لأفواه الصحفيين، بل بالابتعاد عن ما يدنس العرض ويخل بالشرف. فهل تستطيع الهابا صيانة شرف من يقر على نفسه أمام الملأ بأنه كان يفاوض عصابات تبييض الأموال على صناديق الدولار المزور ؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من سقط في شبهة التعاطي مع شبكات المخدرات التي أصدر عفوا رئاسيا عن أحد اساطينها .. وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من شاهد الجميع شاحنات العون الغذائي تفرغ نهارا جهارا في منزله الخاص ؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من يتمادى في رفضه الاعلان عن ممتلكاته متحديا بذلك قوانين الجمهورية؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من أصبح هو واسرته وعصبته، بين عشية وضحاها، أثرياء البلد عن طريق الاستحواذ على مقدرات شعب تتدهور ظروفه الاقتصاديةوالمعيشية يوما بعد يوم ؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من يطلق ابنه الرصاص على بنات الناس دون أن يتعرض للمساءلة (دون الحديث عن الرصاصات الكثيرة الأخرى)، وذلك في الوقت الذي يسجن فيه آخرون بسبب أعمال أقل فظاعة بكثير ؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من كل شيء بالنسبة له معروض للبيع، بدءا بالرهائن (السنوسي) وانتهاء بالمدارس ؟ وهل تستطيع الهابا أن تحمي شرف من جعل من التنكر لتعهداته والتنصل من التزاماته رياضته المفضلة ؟
وبكلمة واحدة، هل تستطيع الهابا أن تصون شرف أو كرامة من لم يصن هو نفسه شرفه وكرامته وشرف اسرته وكرامتها ؟
والحقيقة أن ما يثير الانتباه، بل القلق، هو تزامن بيان الهابا مع مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين المتعلقة بالمضامين الرقمية التي تبيح للسلطة"التفتيش والحجز المعلوماتي واستحداث آليات جديدة للبحث عن الأدلة الرقمية" بحجة ضمان الأمن العام واحترام الأخلاق الحميدة.إن هذهالخطوة الجديدة والخطيرة على طريق التجسس على الحياة الخاصة للمواطنين وتكميم أفواه الصحافة والمدونين، تستدعي تعبئة كل الحريصين على احترام الحريات العامة وحماية حرية التعبير للتشهير بهذه الاجراءات التي تنتهك حرمة خصوصيات المواطنين وتخنق حق الاعلام والتعبير.
نواكشوط، 23أغسطس 2015
اللجنة الاعلامية