منذ اندلاع الانتفاضات العربية قبل عامين ونصف، توسعت الحركة الجهادية العالمية وانتشرت في مجموعة من الأماكن الجديدة في جميع أنحاء العالم العربي، كانت آخرها في سوريا وليبيا وسيناء وتونس. وفي حين فاجأت هذه الاضطرابات الكثيرين في المنطقة، إلا أن تنظيم «القاعدة» كان قد توقع حدوث مثل هذه النتائج حين صاغ خطة استراتيجية أمدها 20 عاماً (2000-2020) كانت قد انكشفت عام 2005. وقد تطور ذلك المخطط حتى الآن وفقاً لخطة [معينة]، وإن كان ذلك بسبب وجود قوى خارجية وهيكلية أكثر من جهود الجهاديين أنفسهم. ونتيجة لذلك، كانت الحركة في وضع جيد يؤهلها الاستفادة من التطورات الجديدة.
وفي كتابه “الزرقاوي؛ الجيل الثاني للقاعدة”، يوضح فؤاد حسين تفاصيل خطة «القاعدة» لـ 20 عاماً، تشمل سبع مراحل، ويشكل فيها عام 2013 بداية المرحلة الخامسة. وفيما يلي وصفاً للكيفية التي يصور فيها تنظيم «القاعدة» – الذي سرب الخطة لحسين – طريقة عمل كل مرحلة:
المرحلة الأولى: “الإفاقة”، 2000-2003. كان الهدف من هجمات 11/9 هو استفزاز الولايات المتحدة من أجل إعلان الحرب على العالم الإسلامي، وبالتالي “إفاقة” المسلمين. وكان تنظيم «القاعدة» يأمل أيضاً بأن تساعد الهجمات على بث رسالته لجمهور عالمي. وعندما أَجرى كاتب هذه السطور بحوث ميدانية في تونس في شباط/فبراير الماضي، سمع أعضاء من الجماعة الجهادية “أنصار الشريعة” يكررون هذا الشعور. وقال له أحدهم، مشيراً إلى هذه الفترة، “لقد أصبح الكثيرون أكثر تثقيفاً في هذا المجال”. وأضاف، “حتى لو خسرنا [بعض] المتعاطفين، حصلنا على أنصار جدد”.
المرحلة الثانية : “فتح العيون”، 2003-2006. في هذه الفترة، كان يأمل تنظيم «القاعدة» أن يحوّل نفسه من منظمة إلى حركة أوسع نطاقاً، فضلاً عن نشر قاعدته إلى بلدان عربية أخرى. ووفقاً لهذه الخطة يكون العراق مركز الجهاد لإعداد الكوادر للميادين المستقبلية.
هناك دلائل على أن هذه المرحلة أتت بثمارها أيضاً. فـ “جماعة التوحيد والجهاد” أصبحت تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» (العراق) في عام 2004. وبعد ذلك بعامين، أنشأت مجموعة من السجناء اليمنيين الهاربين تنظيم «القاعدة في اليمن»، والذي أصبح فيما بعد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» عندما اندمج مع الفرع السعودي في عام 2009. وفي أوائل عام 2007، انضمت المنظمة الجهادية “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” والتي مركزها في الجزائر إلى حظيرة الجهاديين أيضاً، متعهدة بـ “البيعة” لأسامة بن لادن وغيرت اسم الحركة إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
المرحلة الثالثة : “النهوض والوقوف على القدمين”، 2007-2010. إن هذه المرحلة – التي كانت ستشهد المزيد من التركيز على بلدان المشرق العربي وعلى سوريا على وجه التحديد، ولكنها شملت أيضاً شن هجمات على إسرائيل وتركيا و الأردن – كانت فشلاً ذريعاً. فقد أُطلقت بعض الصواريخ على إسرائيل ولكنها لم تلحق أضراراً كبيرة، حتى مع قيام «حماس» بأعمال قمع شديدة ضد الجهاديين في غزة. وفي الأردن، نفّرت القضية الجهادية الأردنيين وسُجن العديد من كبار أعضاء الحركة في أعقاب التفجير الذي وقع في حفل زفاف في عمان عام 2005. وفي غضون ذلك، تم احتواء حملة إرهابية مدعّمة على مستوى منخفض ضد نظام الأسد في سوريا وهزيمتها.
المرحلة الرابعة : [“استعادة العافية وامتلاك القوة القادرة على التغيير”] 2010-2013. توقع تنظيم «القاعدة» بأن تشهد هذه الفترة الزمنية سقوط الأنظمة العربية الطاغية فضلاً عن قيام أعمال الإرهاب السيبراني ضد الاقتصاد الأمريكي.
وعلى الرغم من كون تنظيم «القاعدة» محظوظاً كما يُحتمل، إلا أنه كان أيضاً بعيد النظر تماماً فيما يتعلق بمعايير الاستدامة الكامنة للأنظمة العربية. فلم يلعب الجهاديون أي دور في الانتفاضات التي أسقطت الأنظمة في تونس والقاهرة وصنعاء وطرابلس، والتي أدت إلى الحرب الدائرة في سوريا، بيد، تمكنت الحركة من الاستفادة بصورة كبيرة من الاضطرابات. فمن خلال برنامج “الدعوة” في البلدان التي انفتحت أبوابها أمام الجماعات الجهادية، كانت هذه الحركات – بما في ذلك المنظمات الجديدة المعروفة بـ “أنصار الشريعة” في شمال أفريقيا – قادرة على نشر رسائلها وتوسيع قواعدها من كونها في طليعة [المنظمات الجهادية إلى تحوّلها] إلى حركات اجتماعية.
وقد أظهرت الحركة الجهادية بأنها قد تعلمت أيضاً من إخفاقاتها في العراق. ففي مناطق الحرب مثل سوريا، حاولت حشد الدعم لها من خلال توفيرها الخدمات الاجتماعية. كما حاولت أيضاً تجنب تنفير السكان السنة عن طريق استعمال العنف المفرط، والتركيز بدلاً من ذلك على اختيار أهدافها ضد القوات العسكرية والأمنية وضد المسلمين من غير السنة أيضاً.
وفي حين كانت الحركة الجهادية العالمية قد تعثرت وتأخرت في مرحلة واحدة، إلا أنها فتحت جبهة في سوريا بحلول عام 2013، وحصلت على قاعدة لوجستية تُسهل قيامها بعمليات في جنوب تركيا. كما أقامت وجود جهادي صاعد في شمال سيناء لبسط الإرهاب في إسرائيل، ولا يزال تنظيم «القاعدة في العراق» – الذي استعاد نشاطه – يحتفظ بعلاقات وثيقة مع السلفيين في الأردن. لذلك، فإن الحركة ككل بنت نفسها جيداً نحو المراحل المقبلة من خطتها الأوسع.
المرحلة الخامسة : [“إعلان الدولة”] 2013-2016. يأمل تنظيم «القاعدة» بإقامة دولة إسلامية أو خلافة في السنوات الثلاث المقبلة، وذلك بفضل تراجع النفوذ الغربي في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى ضعف إسرائيل. وقد تم بالفعل تقلص نفوذ الولايات المتحدة والغرب في المنطقة، كما يتضح من عجز واشنطن في الآونة الأخيرة على صياغة الأحداث في مصر وسوريا. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري كبير في المنطقة فضلاً عن حفاظها على علاقاتها مع الدول العربية. ونظراً لعدم الاستقرار القائم في جميع أنحاء المنطقة، ضمنت إسرائيل لنفسها تفوق عسكري نوعي أكثر مما تمتعت به من قبل.
المرحلة السادسة : “المواجهة الشاملة”، 2016-2020. بحلول هذه الفترة، يتوقع تنظيم «القاعدة» اندلاع حرب شاملة مع الكافرين، الأمر الذي سيؤدي إلى الوصول إلى المرحلة السابعة والأخيرة – “الانتصار النهائي” في عام 2020 – التي من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة الكفار ونجاح الخلافة.
تبدو هاتان المرحلتان الأخيرتان خياليتان إلى حد ما، وذلك بسبب العقبات الرئيسية المتبقية في مسار تنظيم «القاعدة» في الفترة المقبلة. أولاً، في الوقت الذي يعاني فيه الغرب بالفعل من صعوبات اقتصادية ويتقلص نفوذه نسبياً، إلا أنه لا يواجه أزمة وجودية، كما توقع تنظيم «القاعدة». وإسرائيل هي الأخرى لا تواجه أزمة كهذه. ثانياً، إن سجل الجهاديين الحافل في مجال الحكم ضعيفاً، خاصة عندما يبدأون بتطبيق تفسيراتهم الضيقة للشريعة؛ ويشمل فشلهم المعروف بشكل كبير كل من أفغانستان والعراق والصومال واليمن ومالي، وذلك بسبب الوحشية البالغة والسعي إلى تطبيق الأعراف الاجتماعية التي هي أكثر تحفظاً إلى حد كبير من تلك القائمة بين السكان المحليين. ولذلك، فمن المرجح أن تكون هناك ردة فعل معاكسة ضد أي مشاريع جديدة في سوريا أو في أي مكان آخر.
ومع ذلك، فإن استمرار عدم الاستقرار في المنطقة الأوسع يعني أنه من المرجح أن تستمر الحركة الجهادية – الماهرة جداً والتي تتعلم من تجاربها الماضية – في البحث عن متعاطفين. ومن غير المعقول جداً أن يحقق الجهاديون “نصراً نهائياً” ويقيموا خلافة تفرض سيطرتها على السكان المسلمين بأجمعهم. بيد، لن يختفي تنظيم «القاعدة» عن الوجود في أي وقت قريب. وعلى الرغم من أن المراحل الأخيرة من خطته الاستراتيجية لا تزال بعيدة المنال، إلا أن «التنظيم» أمراً واقعاً ومن المرجح أن يواصل الصمود في العقود المقبلة.
بقلم: هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
نشرت المقالة في موقع معهد واشنطن في 11 أيلول/سبتمبر 2013
مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط