
بعد أن تعرضت قناة المحظرة لعملية إخفاء قسري واختطاف معلن، حولاها إلى مغرد خارج السرب، هدفه تسجيل موقف أكثر من كونه، سعيا جادا إلى تفعيل رسالة هذه القناة، التي من أجلها أنشئت وبها عرفت من طرف العام والخاص، حيث كانت قبلة للزائرين الأجانب، الذين انبهروا بها كتجربة رائدة جديرة بأن يسعى كل طرف إلى استنساخها، وهو ما جعلها مدرسة موثوقة عبر العالم الإسلامي، يتابعها طلبة العلم وينهل منها المتخصصون في العلوم الشرعية عبر العالم.. أشاد بها المسلمون بوصفها مدرسة للوسطية ومنهلا يجب أن لا يحرم منه متعلم ولا باحث ولا سائل ينشد معرفة حكم نازلة شرعية.
لقد عادت "قناة المحظرة" إلى عرينها، بعد عملية إخفاء قسري، هدفها أسكات صوتها وتحريف رسالتها وتدجين عنفوانها، انتقاما من المحظرة الموريتانية ومفعولها التاريخي والحالي، وسعيا لإبعاد صوت، شكل ضمانة ضد التطرف والغلو والعلمانية الملحدة.
لقد كان إبعاد "قناة المحظرة" عن فضائها الطبيعي، هو أول انتقام من الصرح الثقافي الديني العلمي الوسطي، الذي يجمع بين علوم القرءان وصحيح الحديث النبوي الشريف، وزبدة ما أنتجته عقول علماء الإسلام عبر التاريخ، والذي لم تحظ به البلاد، منذ استقلالها.. إلا بعد أن قيض الله للإذاعة رجلا، عايش هذه الموسسة، منذ أن كان شابا يافعا، حيث خالط جيل المؤسسين.. فانخرط في العمل الإذاعي كعاشق لهذه المهنة وصاحب رسالة، يؤمن بالمبدأ ولا يهتم بالسفاسف، التي انشغل بها غيره، خلال فترة عملهم بهذه المؤسسة الرائدة.
لقد عادت "قناة المحظرة" إلى فضائها الطبيعي، واسترجعت ألقها المعهود، فصارت فعلا "إذاعة للقرءان الكريم المرئية" ومنبرا لندوات الفقه والحديث، ومسابقات تجويد وحفظ القرءان الكريم، ومنبرا لشرح أمهات المتون الشرعية، تستضيف خيرة علماء وفقهاء وقراء ونحويي البلد، دون تمييز عرقي أو شرائحي أو جهوي أو قبلي، تنقل حفلات تكريم القراء وجهابذة المحظرة الحاليين والسابقين، تتكامل في عطائها الغزير مع زميلتها: "إذاعة القرءان الكريم" وتضيف للبعد الديني التعليمي والتثقيفي، البعد الوطني والخصوصية الموريتانية، بكل أبعادها، فهي بحق محظرة جامعة ومدرسة، ترسخ الوسطية وتنشد الإعتدال.
فهنيئا لموريتانيا، بعودة "قناة المحظرة" لفضائها الطبيعي، الذي احتضنتها فيه الأيدي الأمينة التي رعتها في السابق وسترعاها اليوم رعاية الأم لولدها الرضيع، بعد أن حشرت قسرا في موقع لا يناسبها، وطمس عطاؤها العلمي والديني، فتحولت إلى موقع كادت فيه أن تصبح غريبة الوجه واليد واللسان.