
لا يختلف اثنان حول تفسير ما يعيشه العالم اليوم من تحولات عميقة، بأنه مقدمة لنهاية نظام عالمي، وضعت معالمه الحرب العالمية الثانية، وجذرته النهاية ادراماتيكية للإتحاد السوفياتي، حيث سيطرت أمريكا على العالم، فانتقلنا من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية، التي فرضت هيمنتها وأسلوب الحياة الذي يخدم مصالحا هي دون غيرها، فاختل التوازن وغابت المظلة الموازية، فأصبح العالم الثالث كاليتيم في مأدبة اللئام، لا نصير له، يطبق أوامر العم سام وعولمته بسذاجة وهوان، حتى ولو كانت تهدف إلى إفلاس تلك الدول اقتصاديا وتدمر لحمتها الوطنية وتهمش دور الدولة الوطنية في التخفيف من معاناة مواطنيها.. بل تجاوز الأمر جميع الإعتبارات الوطنية وما كان يدعى بسيادة الدول، حيث سعى هذا الغرب إلى تحولت الأسرة من علاقة زوجية بين رجل وامرأة إلى علاقة بين رجل ورجل وامرأة وعشيقتها، يربي الرجل"الزوجة" الأطفال، وترسم العلاقة المثلية في المحاكم وتضبط بضوابط قانونية، ولعل ما شهدته قطر من حملات إعلامية قبل وخلال المونديال الحالي، من تشهير وتسفيه لموقفها من المثلية الجنسية، خلال فعاليات "مونديال قطر"، لهو أكبر دليل على ما وصل إليه الغرب من انهيار أخلاقي واجتماعي، الشيء الذي يشي بإزاحته من قيادة العالم مستقبلا.
إن العالم بعد وباء "كورونا" والحرب الغربية الروسية على أرض أوكرانيا، ليس كما كان قبلها، فكل مجريات الأحداث، تشي بانتهاء الأحادية القطبية، ومعها العولمة وفقاعاتها، والغرب وتخلفه الأخلاقي، الشيء الذي يفرض على كل بلد من بلدان العالم الثالث اليوم أن يقف مع ذاته ويتحسس رقبه وينظر في محيطه وما يعيشه العالم من تحولات ومخاض عميق، لينجو بجلده، أو -على الأقل- يصل إلى وضع يخفف فيه خسائره، الناجمة عن صراع الكبار، الذين قد تطحن أرجلهم دولا، دون أن يرمش لأي منهم جفن.
لذا لا بد أن نجيب نحن العرب والمسلمون على السؤال الملح: أين نحن مما يجري من تحولات عميقة في عالمنا الراهن؟ هل نبقى مجزئين، مستكينين لمستعمر الأمس وسيد العولمة، أم نلملم الجراح، ونعيد وصل ما انقطع ونتوحد، ضمن صيغة تؤمننا وتضمن صيانة مصالحنا، بعيدا عن صراع الحكام والنخب العميلة أو تلك المؤدلجة، علنا نصل إلى بر النجاة، لننهي قرنا من الإذلال والتبعية والهوان والتجزئة والتنافر والتسول للحصول على فتاة موائد البنك وصندوق النقد الدولين؟
إنهما خياران لا ثالث لهما:
إما التوحد والنهوض وصيانة الكرامة الوطنية، أو الخنوع والتبعية والتشرذم، والعيش على فتات ما يرمى لنا من خيرات أوطاننا المنهوبة الجريحة الخانعة والمحتلة.