
1 - عقد الفاعلون السياسيون من الأغلبية والمعارضة يوم الأربعاء 27 أكتوبر الماضي، اجتماعا في نواكشوط بهدف تشكيل لجنة تنظيم أو الإشراف على التشاور. فما هو جدول أعمال هذا الاجتماع الأول؟ هل كنتم عند خروجكم من هذا اللقاء على قناعة بأن جميع الفاعلين كانوا في ظروف جيدة واستعداد للمشاركة في التشاور؟
الأستاذ محفوظ بتاح: فعلا، لقد اجتمع فاعلوالحياة السياسية للأغلبية والمعارضة في بلادنا في ظرف مئاتي يوم الأربعاء 27 أكتوبر الماضي.
وقد استجاب بالحضور لهذا اللقاء ولأول مرة منذ المرحلة الانتقالية 2005-2007، جميع الفاعلين السياسيين (الأحزاب السياسية المعترف بها بالإضافة إلى المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية لعام 2019). ويعتبر هذا نجاح أول لم يتمكن النظام السابق من تحقيقه على الرغم من "حواراته" المتعددة ووجود "موريتانيا العميقة".
وكان يتضمن جدول أعمال الاجتماع، كما قلتم، إنشاء لجنة مسؤولة عن تنظيم التشاور. وقد تم التوصل في نهاية المباحثات بين المشاركين إلى اتفاق مبدئي على تشكيل لجنة مشتركة تتولى إعداد المشاورات.
وكان كل من المعارضة والأغلبية، كل فيما يعنيه، مطالبين بتقديم اسماء ممثليهم في اللجنة المذكورة ريثما يتم تحديد عدد أعضائها في غضون ذلك. وقد اقترح البعض أن تضم اللجنة 10 أعضاء (2 × 5 أعضاء من كل طرف) والبعض الاخر بدلاً من ذلك 16 عضوًا (8 × 2). والحقيقة انه لم يتم بعد تحديد عدد الأعضاء الذي لا يمكن رغم ذلك أن يأخذ وقتا طويلا.
وسيكون أمام اللجنة التي سترى النور قريبًا 28 يومًا لتحضير المشاورات وسيتعين عليها في هذا الصدد : اقتراح لجنة إشراف؛ تحديد معايير المشاركة وعدد المشاركين ؛ تحديد علي ضوء خارطة الطريق التي أعدتها الأطراف الممثلة في الجمعية الوطنية والتي تمت مراجعتها وتصحيحها إذا لزم الأمر، من قبل جميع الجهات الفاعلة التي شاركت في اجتماع 27 أكتوبر، ما يجب أن يركز عليه التشاو أي المواضيع التي سيناقشها المشاركون ؛ الإجابة على السؤال الخاص بمعرفة دور الحكومة في هذه الاجتماعات، وعلاوة على ذلك هل يجب أن تكون حاضرة، وإذا كان الجواب نعم، بأي مستوى يجب تمثيلها وما هو دورها؟
وقد كان جليا في نهاية هذا الاجتماع، أن جميع الفاعلين السياسيين المدعوين التقوا في جو قوامه النهج البناء، لضمان مشاركة الجميع من جهة وإمكانية النظر بسلاسة وهدوء للمستقبلمن جهة أخرى، بمعني نجاح المشاورات.
2 - يبدو من خلال الاستماع إلى بعض الفاعلين السياسيين، أن الحوار بين الفاعلين هو السبيل لحل مشاكل البلاد. هل لديكمفي "الاصلاح" هذه القناعة؟وهل شعرتم بوجود إرادة سياسية أو مؤشرات مطمئنة أخرى من جانب النظام فيما يتعلق بتنفيذ القرارات التي ستنبثق عن التشاور؟
الأستاذ محفوظ ولد بتاح: اننا نشارك في "الإصلاح"القناعة المتمثلة في اعتبار أنه لا توجد طريقة أخرى لحل مشاكل أي دولة سوى الحوار والتشاور"..
وليست موريتانيا بمعزل من هذه القاعدة. ولذا جب إيجاد حلول لمشاكل البلاد في إطارهادئ بعيدا عن أي مواجهة.
تلك هي القناعة التيوجهت ودعمت عمل رئيس الجمهورية منذ وصوله إلى السلطة وقد أخذ في هذا السياق المبادرةباستقبال الفاعلين السياسيين والاجتماعيين للبلاد فور توليه السلطة. كما رحب جميع هؤلاء الفاعلون بهذه المبادرة وأجمعوا على قدرة الاستماع الكبيرة لرئيس الجمهورية، الذي استقبلهم واستمع إليهم بقلب رحب، على عادته كرجل متزن ومنفتح.
إن الأسلوب وروحالانفتاح والحرص على احترام التعهدات المقطوعة التي عبّر عنها رئيس الجمهورية عدة مرات،كانت ضمانا كافيا لتبديد أي شك في إرادة السلطات في تنفيذ القرارات التي سيتمخض عن التشاور.وقد أكد رئيس الجمهورية ذلك بشكل منفرد للفاعلين الذين استقبلهم وعبّر عنه علنًا في الخطاب الذي ألقاه مؤخرًا بمناسبة افتتاحه للمنتديات العمومية لقطاع البناء والأشغال التي نظمتها وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي.
لذلك لم يعد هناك أي سبب يدعو إلى التساؤل حول إرادة النظام في تنفيذ المقترحات التي ستأخذ بعين الاعتبار بمناسبة المشاورات.
3 - ما الذي دفع رئيس الجمهورية، حسب وجهة نظركم، إلى قبول الحوار أو التشاور في الوقت الذي يقول الرئيس وداعموه أن البلاد لا تعيش أزمة؟
الأستاذ محفوظ بتاح: ذلكهو أسلوب الرجل وطريقته في ممارسة السلطة بالاستماع إلى الجميع وخاصة لمن لديهم آراء يطالبون بطرحها حول حاضر البلاد ومستقبلها،بما في ذلك مبدئياً، قادة الأحزاب السياسية والفاعلين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
ان قرار رئيس الجمهورية بقبول التشاورينم تحديدا عن روح الانفتاح والاعتدال التي تطبعه.
فالرئيس يدرك جليا أن البلد بحاجة بالفعلً للخروج من وضعية سياسيةتتسم بالمواجهة بين الفاعلين السياسيين. وللاقتناعبذلك، يكفي الرجوع الي برنامجهابان ترشحه، الذي قال فيه ان البحث عن مناخ سلمي سيوجه عمله باستمرار للجمع بين مواقف الفاعلين السياسيين بشأن قضايا المصلحة الوطنية وأنه يؤمن إيمانا عميقا بأن موريتانيا بحاجة إلى جميع قواها الحية وأن الجميع يمكن ويجب أن يساهم في عملية البناء الوطني مضيفا أننا يمكن أن نتفق أو لا نتفق ولكن يجب أن نكون قادرين على مناقشة جميع الأمور التي تهم المصلحة الوطنية. وقال إنني أتعهد بتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق ذلك وسأحرص في هذا السياق على وضع إطار للتشاور يمكن بلقاء زعيم المعارضة بانتظام والتشاور مع قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان حول القضايا الاستراتيجية.
ومما يترتب على ذلك أن قرار رئيس الجمهورية بالمصادقة على التشاور بين الفاعلين في الحياة السياسية لم يكن نتيجة لأية أزمة من أي نوع أو أي توازن للقوى يجعله مضطرا لقبوله. بل يعني الأمر فقط بالنسبة للرئيس الجمهورية بتنفيذ برنامجه السياسي الذي ينطلق بلا شك من رؤية مستنيرة لمشاكل البلاد وسبل ووسائل مواجهتها.
وفي ظل هذه الظروف فان لرئيس الجمهورية والأغلبية التي نمثل جزء منها،الحق القوي في رفض مصطلح الأزمة لوصف الوضع في البلاد.
4 - ما هي المشاكل، حسب رأيكم بالذات، التي تعيش بلادنا والتي يمكن أو ينبغي على الحوار أو التشاور ان يجد لها حلولا؟
الأستاذ محفوظ ولد بتاح: مشاكل البلاد هي تلك التي تواجهها جميع دول العالم الثالث. إنها تحديات التنمية:
فلا بد من تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية الجديرة التي تضمن النمو المستدام وتوفر للمواطنين تحسنًا مستمرًا على المستوي المعيشي. ومجمل القول انه يجب التغلب على الفقر والجهل اللذان لا يعتبران قدرا محتوما. فقدتسلحت العديد من البلدان وخاصة في جنوب شرق آسيا بإرادية قوية من اجل تحقيق هذا الهدف ونجحت في ذلك المسعى.
فنحن نري من جانبنا ان الإرادة السياسية لإخراج البلد من التخلف أمر حقيقي. وقد عبر رئيس الجمهورية عن ذلك بوضوح حين قطع على نفسه جمع وتنفيذ كل المتطلبات لوضع البلاد على طريق النهوض.
أما فيما يتعلق بمساهمة التشاور المستقبلي في حل مشاكل البلاد يجب التوضيح أنه مهما كانت القرارات والتوصيات الأخرى الصادرة عن هذه اللقاءات، فذلك لا يعنيبالضرورة حل مشاكل البلاد.
فالتشاور لن يكون عصا سحرية لحل مشاكل التخلف بل على أكثر تقدير فرصة لتحقيق الإجماع الوطني الذي يرغب فيه الجميع حول الإشكالات الاستراتيجية للبلد التي حددها الفاعلون في خارطة الطريق والتي اعدت بالفعل: وتتعلق بالوحدة الوطنية والإصلاحات الديمقراطية والحكم الرشيد..
كما أنه من الواضح أن التوصل الي توافق على هذه القضايا انجاز لا يستهان به. ويشكل علاوة على ذلك، تعهدًا بالاستقرار السياسي للبلاد والتماسك الاجتماعي الذي بدونه لا يمكن لأي مشروع تنموي أن ينجح.
5 - هل تعتقدون في "الإصلاح" أن موريتانيا تعاني من مشاكل فيما يتعلق بوحدتها الوطنية؟
الأستاذ محفوظ بتاح:نعتقد بادئ ذي بدء في "الإصلاح" أن هنالك أسبابًا وجيهة لعدم القلق الكبير بشأن متانة الروابط التي توحد الشعب الموريتاني والتي تؤسس الوحدة الوطنية: نفس الدين (الإسلام السني)، تقليد العطاء والاخذ في هذا المجال بين النخب الدينية من مختلف مكونات البلاد، وهو تاريخ مشترك على مدى عدة قرون، أنماط معيشية في معظمها متشابهة تمامًا وتمازج عميق إنساني وثقافي وكلالامور التي تساهم في إرساء اساس قوي للوحدة الوطنية.
ونعتقدأيضا أن وجود ركائز متينة للوحدة الوطنية لا يعني عدم وجود مشاكل وديناميات اجتماعية ونضالات سياسية عنيفة والظلم والإقصاء التي تعتبر كلها عوامل يمكنها أحيانًا تقويض الوحدة الوطنية بشكل دائم.
فبلدنا لم يسلم من الآثار السلبية لهذه العوامل التي تسببت في ارث إنساني ثقيل لا يزال حاضرا بقوة في القلوب وبالتالي يجب ان يجد حلا نهائيا.
ولقد تم بالفعل اتخاذ إجراءات رمزية ودينية ومادية لكن يبدو جليا أنها لا تزال غير كافية.
فالدولة مطالبة مجددا بتحمل مسؤولياتها في هذا المضمار من خلال التوصل الي حل عادل ومنصف لهذا الملف.
ونعتقدفي الأخير أن موريتانيا ملك لجميع مكوناتها ومواطنيها وأنها شاسعة بما يكفي وغنية جدًا لتتسع لكل فرد من أبنائها ويجد فيها مكانته والمميزات الكافية للاعتزاز بالانتماء إليها.
ويحدونا الأمل في أن يكون التشاور مناسبة للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن طرق ووسائل تضميد جراح الماضي والتطلع بحزم نحو المستقبل الذي نرجوه، مستقبلا يسوده السلام والتماسك والازدهار.
6 - يثير نقاش دائر حول إصلاح نظام التعليم ومكانة اللغات الوطنية مثل البولار والسوننكي والولوف ردود فعل متباينة لدي الطبقة السياسية ويشغل شبكات التواصل الاجتماعي. ماهو رأيكمحول هذا الجدل وكيف يمكن للمدرسة الجمهورية التي تطمح لها الحكومة أن تتكلف بهذه المسألة؟
الأستاذ محفوظ بتاح: أننا في حاجة ماسة لإصلاح نظامنا التعليمي ويعتبر الأمر محل اجماع الكل. ان الأزمة التي تعاني منها المدرسة تعود إلىفترة طويلة مع فشل المحاولات القليلة للرفع من أدائها. كما ان المدرسة لم تعد بوتقة للوحدة الوطنية بعد أن أصبحت أداة لتقسيم شعبنا: كل مجموعة عرقية لها مدرستها الخاصة ولغتها التعليميةالخاصة؛ التعليم الخاص للأثرياء والتعليم العام للفقراء؛ مدرسة للمتميزين ومدرسة للمتوسطين؛ طاقم تدريس بروليتاري، يتقاضى أجورًا زهيدة وفي الغالب سيئ التكوين؛ بنية تحتية غير كافية وغير محكمة التوزيع على التراب الوطني مع خريطة مدرسية تستجيب في أغلب الحالات لمعايير الزبونية فقط؛ الفشل في المدرسة هو القاعدة والنجاح هو الاستثناء. ويكفي تأمل مستوى نسب النجاح في المسابقاتالوطنية السنوية:دخول السنة أولى إعدادية، شهادة ختم الدروس الإعدادية والبكالوريا. فنسبة النجاح في البكالوريا على وجه الخصوص كان كارثيا حيث لم تتجاوز خلال العقد الماضي 9٪ في الدورة الأولى لتصل ما بين 13 إلى 15٪ في الدورة الثانية. فهذه النتائج هي الأدنى في كل أنحاء شبه المنطقة إن لم تكن أقلها على المستوى العالمي. وكان لغرض إسكات الافواه يتم اللجوء الي تقديم معلم ضعيف المستوى لا يستجيب على الاطلاق لمتطلبات الشغل.
اننا نسرد لكم كل هذا من اجل اطلاعكم على جحم الكارثة التي يعيشها نظامنا التعليمي والحاجة الملحة لمواجهتها.
لقد جعل رئيس الجمهورية التعليم ضمن أولى أولوياته وهكذا أنكب شخصيا في عملية تأهيله.
كما أن الرئيس رسم لدىحضوره فيفعاليات افتتاح السنة الدراسية، أول سنة 2019-2020 شهرين فقط بعد تسلمه السلطة، العمل الذي يجب القيام به. فلم يغب عن أحد الرمزية القوية العالية المرتبطة بحضوره في هذه المناسبات والتي تنم عن إدراك فائق لأزمة مدرستنا وضرورة إيجاد الحلول المناسبة لانتشالها ووضعا في المسار الصحيح ان برنامج رئيس الجمهورية حول هذه المسألة واضح جدا بما لا يدع مجالاً للشك وكذلك طموحه في وضع نظام تعليمي فعال، مدرسة توحد وتقدم تعليماً ذات جودة، مدرسة تقوم بتدريس قيم المسؤولية المدنية والمواطنة.
إن الجدل الذي يثير الطبقة السياسية وشبكات التواصل الاجتماعي حول هذه المسألة امر شرعي تمامًا، نظرا لأهمية نظام التعليم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد. ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد أن بلدان جنوب شرق آسيا التي أصبحت نموذجًا للتنمية قد ركزت جهودها بشكل أساسي على التعليم وبالتالي استفادت من الانعكاسات الإيجابية لهذا الاختيار واحتلت مراتب متقدمة جدًا في الترتيبللأمم فيما يتعلق بالتقدم الاجتماعي والتكنولوجي.
أما فيما يخص اللغات القومية فيجب أن تجد، بغض النظر عن تطرف البعض وعمى بصيرة البعض الآخر، مكانها في نظامنا التعليمي.
كما يجب على التشاورالوطني حول إصلاح النظام التعليميالجاري هذه الآونة على مستوى وزارة التهذيب الوطني والتي تمت دعوة جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين إليه، أن يكون فرصة لتحديد مستوى المناهج الدراسية الذي سيتم فيه إدخال اللغات الوطنية.
فإدخال تدريس اللغات الوطنية المتوقع يمثل عاملاً هامًا في تعزيز التماسك الوطني. ومن الضروري،في انتظار إعطاء الإصلاح محل النقاش حاليًا، دفعاته الأولى، مواجهة حتمية وجود إدارة تفهم ويتفهمها المستفيدون من خدماتها. فعلي موظفي الدولة الذين يخدمون في المناطق الجنوبية من البلاد والذين لا يتحدثون لغة المواطنين المحليين أن يتعلموا في غضون ذلك اللغات الوطنية. كما ينطبق الأمر نفسه أيضًا على الموظفين الذين لا يتقنون اللغة العربية أو الحسانية والمطالبين بالخدمة في باقي أنحاء البلاد.
كما ينبغي في هذا السياق تثمين افتتاح قسم للغات الوطنية بولار وسونينكي وولوف مؤخرا في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء. انه ليس من المقبول في الواقع الاستمرار في استعانة أولئك الذين يمثلون الدولة في تأدية مهامهم (الولاة والحكام،والقضاة، ومسؤولو الأمن ومديرو الخدمات الاجتماعية الإقليمية)، على مترجمين كما كان يفعل المسؤولون الاستعماريون. كما يجب وفي نفس الوقت ان نسعى الي تعزيز الوحدة الوطنية. ان هذه المبادرة ستضمن عمل أكثر فعالية لخدمات الدولة في المناطق المعنية.
انتقل الآن إلى جزء سؤالك المتعلق بطريقة المدرسة الجمهورية التي تطمح لها الحكومة للأخذ بمسألة اللغات الوطنية. وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نتذكر أولاً أن مفهوم المدرسة الجمهورية هو مفهوم نستعيره من فرنسا. ومع ذلك فان تنوع اللغات المستخدمة في فرنسا لم يكن أبدا من مهام المدرسة الجمهورية الفرنسية.
هل تعلمون أن فرنسا لديها أكثر من عشر لغات، تُعرف باللغات الإقليمية أو الأقلية متجذرة تاريخياً وجغرافياً على الأراضي الفرنسية (الباسك، البريتونية، الكاتالونية، الكورسيكية، اللهجات الألمانية للألزاس وموسيل، إلخ ...). فما من لغة من هذه اللغات حظيت بعين الاعتبار في التعليم الفرنسي. بل على العكس من ذلك، فقد حظر التحدث بها داخل المدرسة ووصفها أحيانًا بدافع الازدراء، باللهجة العامية.
ولذلك فأن اللغات الوطنية لم تجد مكانها في المدرسة الجمهورية التي عرفت تاريخياً ولا تزال مدرسة تكامل وحتى مدرسة استيعاب بل في قيم الديمقراطية التي، تحافظ وتعزز مبدئيا التنوع، خاصة الثقافي. ولنقل ان مدرستنا يجب أن تكون على حد سواء جمهورية وديمقراطية.
7 - لقد عقد حزب "الإصلاح" قبل أشهر قليلة مؤتمره العادي وقام بتجديد هيئاته. فما هي المكانة التي يحتلها حزبكم في الساحة السياسية الموريتانية؟
الأستاذ محفوظ بتاح:فعلا. لقد عقد حزب الإصلاح مؤتمره في فبراير الماضي وكان هدفه الرئيسي إعادة تأسيس الحزب على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار التوافقات السياسية التي تم التوصل إليها بمناسبة اندماج المجموعات السياسية الرئيسية والعديد من الأحزاب السياسية داخلها والمساهمة في الموارد البشرية التي أتو بها والقدوم المكثف لأطر من جهات مختلفة وذات القدرات المتعددة ولذلك كان لابد من أخذ كل ذلك بالحسبان في نظر المشروع السياسي وتنظيم الحزب. وهو ما تحقق بالفعل مع الإنطلاقة من جديد وبخطوات ثابتة لحزب الإصلاح مع مشروع سياسي متجدد وهياكل فسحت المجال لأكثر من 600 إطارا.
وطموحنا في" الإصلاح" في ظل هذه الظروف هو أن يكون شيئًا آخر غير أداة للتعبئة.
اننا نعتقد أن الأحزاب السياسية قد طغت حتى الآن على إحدى مهامها الأساسية المتمثلة في المساهمة في ظهور وعي سياسي واضح لدي مواطنينا حول ما تعنيه المواطنة وخصائصها وما هي حقوقهم السياسية في المقام الأول وكذلك واجباتهم تجاه الأمة ولأهمية الدور الذي يجب أن يلعبوه في التوجيه السياسي للبلاد وضرورة الولاء للدولة أكثر من الانتماءات الأخرى (العرقية،القبلية،الإقليمية، إلخ)؛ واحترامالشأن العامالخ ...
ونطمح كذلك بصفتنا حزب من الأغلبية الرئاسية بالمساهمة بشكل كبير في توسيع وتعزيز القاعدة الشعبية الداعمة لرئيس الجمهورية. ونعتقد أن الاغلبية لم تقم حتى الآن بكل ما في وسعها ويجب عليها القيام به في هذا المضمار، ولا سيما في مجال الاتصال بشأن البرنامج الطموح لرئيس الجمهورية والسياسات التي تنفذها الحكومة تطبيقا له.
اما فيما يتعلق بموقعنا في الساحة السياسية الوطنية، أقول لكم إن حزب الإصلاح حزب حيوي للغاية في إطار الأغلبية الرئاسية ويطمح إلى أن يكون، بمناسبة الانتخابات التشريعية المقبلة، من الأحزاب الأوائل في التمثيل الوطني.
8 - ما انطباعكم حول الزيادات المتكررة في أسعار المواد الغذائية الأساسية والإجراءات التي تتخذها الحكومة للحد منها؟ هل تبدو ناجعة بالنسبة لكم؟
الأستاذ محفوظ بتاح: انالزيادات المتكررة في أسعار المواد الأساسية لا تطاق بأي حال من الأحوال بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين، إلا ان تحميل الحكومة مسؤولية ذلك الغلاء يبدو في نظري حكم متعجلا لا يأخذ بعين الاعتبار كل الأمور.
ولكي نكون منصفين، يتوجب علينا مراعاة الحقيقة الأولى:اننا نستورد كل شيء (قمح،زيت،سكر،شاي،لبن،أرز، إلخ). ومع ذلك، فقد شهدت أسعار جميع هذه المواد ارتفاعًا مذهلا في السوق الدولية. لقد شهد القمح على سبيل المثال زيادة بنسبة 40٪ للعام الحالي. كما يجب علينا أيضًا أن نأخذ في الحسبان الزيادة المرتفعة جدًا في أسعار النقل البحري التي تفاقمت وتعززت بسبب جائحة كوفيد-19.
لقد وصلت الزيادة إلى 300٪ وحتى أكثر على بعض الخطوط. وارتفع نقل حاوية بسعة 40 قدمًا من الصين إلى نواكشوط، الذي كان في حدود 2800 دولارً أمريكيًقبل الأزمة ليصل 15000 دولار أمريكي تقريبا
وقد أدركت الحكومة بسرعة مدى التأثير السلبي لارتفاع الأسعار على القوة الشرائية للأسر وقامت في هذا الصدد باتخاذ إجراءات مهمة. فكانت بعض تلك التدابير ذات نطاق شمولي بما في ذلك وعلى وجه الخصوص: مرسوم يحدد أسعار المواد الأساسية، إنشاء آلية جديدة تعني بالاستيراد لصالح الدولة لهذه المواد التي سيتم بيعها بأسعار معقولة. وستمكن الآلية من انتظام السوق وبالتالي كبح شجع بعض الفاعلين المتعطشين في هذا المجال لتحقيق أقصى ربح ممكن على حساب المستهلكين.
وتم اتخاذ إجراءات أخرى وبشكل خاصلصالح الطبقات الهشة سعيا من الحكومة في تنشيط وتوسيع شبكة دكاكين أمل من خلال إمدادها بكميات كافية لتلبية طلب زبنائها. وكما تعلمون فان هذه الحوانيت تبيع موادا قد يصل سعرها في بعض الأحيان الي نسبة اقل ب 50٪ من سعرها في المتاجر التي يقتني منها المستهلكون الآخرون. كما ان الأسعار التي اعتمدتها الشركة الموريتانية لتوزيع الأسماك تمكن المواطن في جميع أنحاء التراب الوطني من الحصول على هذه المادة بأسعاررمزية.
وينبغي أن إطار هذه الجهود الدعم النقدي الذي تم تقديمه عدة مرات ل 200000 أسرة؛تكفل الدولة بفواتير المياه والكهرباء أيضًا للأسر التي لا يتجاوز دخلها مستوى معينً وكذلك استفادة أكثر من 100000 أسرة من التأمين الصحيوزيادة معاشات التقاعد
وقد تم اتخاذ بعض هذه الإجراءات في إطار العمل ضد التأثير السلبي للوباء على المواطنين كما انها تساهم في نفس الوقت في مواجهة الانعكاسات السلبية لارتفاع أسعار المواد الاولية.
وباختصار، لقدوفقت الحكومة إلى حد كبير في تأدية واجبها المتمثل في مساعدة المواطنين في ظروف دولية تتميز بالارتفاع الجنوني للأسعار. ان أقوى الاقتصادات لم تسلم من ظاهرة غلاء الأسعار هذه. وبهذه الطريقة استقر التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا.
أجرى المقابلة دالي لام
عن القلم بالفرنسية